الرئيسية ستارت أب نور إمام... من ألحان الموسيقى إلى أسرار جسد المرأة

نور إمام... من ألحان الموسيقى إلى أسرار جسد المرأة

رحلةٌ فريدةٌ تجمع بين الإبداع والتّمكين، تكشف عن تحديّات الصّحة النّسائيّة في المنطقة، وتسلّط الضّوء على ضرورة كسر الصّمت وتوفير المعرفة الحقيقيّة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.

بوصفها المؤسّسة المشاركة والرّئيسة التّنفيذيةّ لشركة "دليلة" (Daleela by Motherbeing) المتخصّصة في التّكنولوجيا النّسائيّة، والمتمركزة في القاهرة، لم تكن نور إمام قد عقدت النّيّة، في البدء، على تثقيف النّساء بشأن أجسادهنّ. غير أنّ ولادة ابنتها أزاحت الغشاوة عن طريقٍ لم تكن تراه، فإذا به هو الطّريق الّذي تنجذب إليه فطريّاً، وترغب في أن تخوضه عن وعيٍ.

تقول إمام لمجلة "عربية .Inc": "لم تكن رحلتي في مجال التكنولوجيا النسائية خطّاً مستقيماً، لكنّها لم تكن يوماً عبثيّةً. بدأ كلّ شيءٍ من الموسيقى الإلكترونيّة؛ كنتُ منتجةً، وحاصلةً على درجة الماجستير في فنّ الصّوت من جامعة "غولدسميث" (Goldsmiths)، جامعة لندن. تنقّلت بين أكبر نوادي أوروبا، أُحيي العروض وأصنع الإيقاع، وكان كلّ شيءٍ يوحي بأنّ الأمور على ما يُرام. لكن حين حملت، انقلب المشهد الدّاخليّ رأساً على عقبٍ. واصلت العزف حتّى الأسبوع الثّامن والثّلاثين، لكن بعد أن أنجبت ابنتي، أدركتُ أنّني أبحث عن شيء يتجاوزني، عن معنىً حقيقيٍّ لا يُختزل في الإنجاز. عند تلك العتبة، التقيت بشغفي الحقيقيّ: صحة المرأة. هالني كمّ الجهل الذي نحمله عن أجسادنا، فاندفعت إلى التّعلّم، وسخّرت كل ما ادّخرته من أجل تدريبٍ شاملٍ عن بُعد لأصبح مرافِقةٍ مؤهّلة للنّساء في رحلات الحمل والولادة -أي لأكون دولا (doula) معتمدة- وكانت تلك التّجربة بمثابة مرآةٍ: عكست أمامي الفجوات، والوصمة، والصّمت الّذي يلفّ قضايا المرأة الصّحيّة، ولا سيّما في منطقتنا".

عند هذه النّقطة، بدأت إمام تُشارك ما تعلّمته مع نساءٍ أخرياتٍ عبر الإنترنت. وكانت الاستجابة -كما تقول- كبيرةً. ومع امتلاكها معرفةً حقيقيّةً بما تحتاج النّساء إلى فهمه، وبما يمكن أن تُحدثه هذه المعرفة في حياتهنّ، قرّرت في عام 2020 إطلاق منصّة "أمومة" (Motherbeing) الرّقميّة، لتثقيف النّساء العربيّات وتمكينهنّ. إذ قالت إمام موضّحةً: "كانت النساء يائساتٍ. يُرِدن معلوماتٍ دقيقةً، آمنةً، وخاليةً من العار، تُقال بلغةٍ تحترمهنّ. من هنا وُلدت منصة أمومة لسدّ هذه الفجوة الواسعة".

عد توسيع خدماتها وإعادة تسميتها إلى "دليلة"، أصبحت المنصّة رفيقاً صحيّاً مدعوماً بالذكاء الاصطناعي وواعياً ثقافيّاً للنّساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تُقدّم إجاباتٍ فوريّةً بلهجاتهنّ المحليّة، إلى جانب تشخيصاتٍ مدعومةٍ من الأطباء. إذ تقول إمام: "ما قامت به "دليلة" هو تحسين وتوسيع الرّؤية الأصلية لمنصّة "أمومة": تثقيف وتمكين وإزالة الوصمة عن صحّة المرأة في المنطقة. لكنّها تجاوزت ذلك، إذ حلّت مشكلات الوصول والتّكلفة والعار، خصوصاً للنّساء اللّواتي قد لا يجدن طبيباً أو لا يشعرن بالرّاحة عند التّحدّث إليه. واليوم، تخدم دليلة أكثر من 150,000 مستخدمةٍ في مصر والسعودية والعراق، وما وراءهما، وقد وصلنا إلى أكثر من 3.2 مليون امرأةٍ عبر محتوياتنا".

عندما خاضت إمام مجال التكنولوجيا النسائية، واجهت تحديّاتٍ عدّةً مرتبطةً بالحديث المفتوح عن مواضيع مثل: الحيض، والجنس، والخصوبة، وصحّة المهبل. فقالت موضّحةً: "واجهنا ردود فعلٍ سلبيّةً، ورقابةً، ومقاومةً؛ ليس فقط من المنصّات، بل أحياناً من مؤسّساتٍ وحتى من متعاونين. كما كانت هناك فجوةٌ في التّمويل، لأنّ التكنولوجيا النسائية ليست مفهومةً بالكامل أو مأخوذةً على محمل الجدّ من قِبل كثيرٍ من المستثمرين في المنطقة".

كما تضيف: "تعاملنا كذلك مع معضلاتٍ أخلاقيّةٍ كثيرةٍ خلال رحلتنا، إذ كان علينا دوماً تحقيق توازنٍ بين الحساسيّة الثّقافيّة والدّقة الطّبيّة. كيف نتحدّث عن الموافقة، والمتعة، ووسائل منع الحمل بطريقةٍ تمكّن النساء، دون أن نثير ردّ فعلٍ ثقافيّاً قد يهدّد مهمّتنا؟ هذه ليست أسئلةً سهلةً، لكنّنا نأخذها على محمل الجدّ. نعمل عن كثبٍ مع مهنيّين طبيّين، وخبراء محليّين، وملاحظات المجتمع لضمان أداء مسؤوليّتنا تجاه مستخدماتنا؛ ليس فقط من النّاحية التّقنيّة، بل الأخلاقيّة أيضاً".

فكيف تعاملت إمام مع تلك التّحديّات؟ تجيب: "كنّا صادقين بلا اعتذارٍ، حسّاسين ثقافيّاً، وملتزمين بالصّرامة الطّبيّة. إذ ارتكزنا على التّعليم، وبنينا الثّقة مع مرور الوقت، ولم نُفرط في الأسلوب، بل تحدّثنا مباشرةً مع النّساء، لا فوقهنّ ولا حولهنّ". وكان من أبرز المفاجآت تحوّل دليلة إلى الخطّ الأوّل للرّعاية الصّحيّة للنّساء، لا أداة مساعدةٍ فحسب، إذ تقول إمام إنّ دليلة صارت نقطة الوصول الوحيدة لكثيرٍ من المستخدمات لطرح الأسئلة العاجلة المتعلّقة بصحتهنّ.

كما تشارك إمام: "تأتي النّساء إلى دليلة بأسئلةٍ شخصيّةٍ وعاجلةٍ غالباً -عن العدوى، والدّورات المفقودة، ومخاوف الحمل، والألم غير المبرّر- لأنهنّ لا يشعرن بالأمان أو الرّاحة أو القدرة على سؤال الطّبيب. تفاجأنا أيضاً بمدى الثّقة التي يضعها المستخدمون في دردشة الذكاء الاصطناعي والتّشخيصات، وكم هو ضروريٌّ أن نتحدّث بلهجاتهنّ الدّقيقة، وليس فقط بالعربيّة الفصحى، ممّا دفعنا إلى إعطاء الأوّلويّة للدّقة، والفهم الثّقافيّ، والسّلامة في كلّ ما نبنيه".

تركّز دليلة اليوم على تعميق قدرات الدّردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي باللّهجات العربيّة، وتوسيع تشخيصاتها لتشمل مزيداً من الحالات، وتيسير الوصول إلى نصائح ووصفات مراجعة الأطباء. وتعزو إمام هذا التّقدّم إلى مجتمع دليلة، الّذي دفع المنصّة لتطوير خدماتها بما يلبّي احتياجات مستخدماتها بشكلٍ أفضل. إذ تقول: "باختصار، لم يحوّل مستخدمونا دليلة إلى أداةٍ عاديةٍ فحسب، بل إلى شريان حياةٍ، ممّا غيّر طريقة تفكيرنا في مسؤوليتنا تجاههنّ.

وبعد خمس سنواتٍ من العمل، لم يلتقِ الفريق بمجتمعهم وجهاً لوجهٍ إلّا في أوّل قمةٍ لصحة المرأة عُقدت في نهاية مايو في مصر، والّتي تقول إمام إنّها تمثّل نقطة تحوّل للشّركة: "دائماً ما تواصلنا مع مستخدماتنا رقميّاً، ولكن رؤية مئات النّساء يحضرن شخصيّاً  -للتّعلّم، وطرح الأسئلة، والتّواصل- أحيا مهمّتنا بطريقةٍ جديدةٍ كليّاً". وتتابع: "ذكرنا هذا بأنّ الطّلب على التّعليم الصّحيّ النّسائيّ الخالي من الأحكام والواعي ثقافيّاً ليس فقط قويّاً، بل عاجل".

كما تضيف إمام: "ما لفت انتباهي أكثر هو كم قالت كثيرٌ من النساء عباراتٍ مثل: 'لم أحضر حدثاً كهذا من قبل'، أو 'هذا جعلني أشعر بأنّني لست وحدي'. إذ أوضحت هذه الملاحظات أمراً واحداً: لا يمكن أن يكون الحدث لمرّةٍ واحدةٍ فقط، ممّا عزّز قرارنا باستضافة قمّة 'دليلة' سنويّاً، لتكون القمّة الرّائدة لصحة المرأة في المنطقة، الأولى من نوعها، ومساحةً تجمع بين الخبرة الطّبيّة والحوار المفتوح الحقيقيّ. ونراها حجر الزّاوية في مهمّتنا، الّتي ستشكّل مستقبل مناقشة وفهم وإعطاء الأوّلويّة لصحة المرأة في منطقتنا.

وفي الوقت نفسه، يسعى فريق دليلة إلى توسيع بصمته في السعودية ودول الخليج، مستمرّاً في كسر الحواجز التي تعيق الوصول، واللّغة، والوصمة المرتبطة بصحّة المرأة. كما يستعدّ لإطلاق إحدى أكثر الميّزات طلباً: متعقّب فتراتي وخصوبتي ثنائي اللّغة، المصمّم بعنايةٍ ليناسب النّساء العربيّات.

أمّا عن رحلتها كرائدة أعمالٍ، فتواصل إمام استلهامها من بداياتها كمنتجة موسيقى؛ فتقول: "قد تبدو القفزة من عالم الموسيقى إلى التكنولوجيا النسائية بعيدةً، لكن كلا العالمين علّماني كيف أصغي بعمقٍ، وأتواصل بصدقٍ، وأصنع تجارب تلامس القلوب، إحداها عبر الصّوت، والأخرى عبر الأثر".

نُشر هذا المقال أوّلاً في عدد يونيو/تموز 2025 من مجلة "عربية .Inc". لقراءة العدد الكامل عبر الإنترنت، اضغط هنا.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: