الرئيسية التنمية فن توقيت الصفقات: كيف تحسم التفاوض لصالحك في اللحظة المثلى؟

فن توقيت الصفقات: كيف تحسم التفاوض لصالحك في اللحظة المثلى؟

من مجالس الإدارة إلى صفقات السّوق الرّقميّة، يصنع التّوقيت الذّكيّ في التفاوض الفارق بين صفقةٍ خاسرةٍ وأخرى رابحةٍ تُبنى على الصّبر والاستراتيجيّة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

يُبرم النّاس الصّفقات في كلّ يومٍ، وليس من الضّرورة أن يكون ذلك داخل قاعة اجتماعاتٍ فخمةٍ أو على ملعب غولفٍ مترفٍ. ففنون التفاوض لا تقتصر على الأمكنة، بل تتجلّى في كلّ موقفٍ يستدعي اتّفاقاً أو تفاهماً. وفي خضمّ هذه العمليّات، يبرز عامل التّوقيت بوصفه عنصراً حاسماً لا يقلّ شأناً عن مضمون الفعل ذاته؛ فـ"متى" تفعل، لا تقل أهميّة عن "ماذا" تفعل.

على سبيل المثال، حين تطأ قدمك غرفة التفاوض مع طرفٍ آخر، فإنّ رسم معالم الشّروط مرهونٌ بلحظة الإعلان عنها؛ التوقيت هنا ليس تفصيلاً، بل جوهر المسألة. إذ إنّ الإفصاح عن سعرك مبكّراً قد يضعك في موقع ضعفٍ، ويقودك إلى صفقةٍ غير موفّقةٍ، أو ربّما يفشل التفاوض برمّته، وهو ما قد لا يكون خسارةً دائماً، فقد تكون الصّفقة أصلاً مثقلةً بالخسائر المحتّمة على شركتك. لذا، لا تكشف عن سقف مطالبك أو أدنى حدودك إلّا حين يصبح ذلك سلاحاً فعّالاً في يدك، وغالباً بعد أن تستشفّ ما الذي ينوي الطّرف المقابل طرحه على الطّاولة.

بصفتي وكيلاً للمواهب، ومحامياً في مجال الإعلام، وأستاذاً في كلية القانون بجامعة "جنوب كاليفورنيا" (USC Gould School of Law)، أُدرّس طلّابي وعملائي كيف يمكنهم استخدام التّوقيت لصالحهم في إمالة كفّة الصّفقات. وأنا أعمل أيضاً على كتابي الجديد بعنوان (TILT the Room)، والمقرّر صدوره في عام 2026، والّذي يشّرح كيف يمكنك استخدام التّوقيت، والتّأثير، والرّافعة، والثّقة للفوز بقلوب النّاس، وإغلاق الصفقات، والحصول على شروطٍ أفضل.

وفي هذا السّياق، إليك بعض النّصائح المهمّة حول التّوقيت، والّتي تعلّمتها من خلال حياتي المهنيّة في عالم عقد الصّفقات، سواء كانت خلف الأبواب المغلقة، أو في غرف الاجتماعات، أو على متن الطّائرات الخاصّة. ويمكنك استخدام هذه النّصائح سواء كُنت تتفاوض على اندماجٍ بقيمة ملايين الدّولارات مع شركةٍ ناشئةٍ، أو تساوم على شراء درّاجةٍ مستعملةٍ على موقع "فيسبوك ماركت بليس" (Facebook Marketplace).

ابدأ بالسهولة ثم انتقل إلى الصعوبة

في ميدان الصفقات، يجدر بك أن تبدأ بالأمور اليسيرة أوّلاً، وتؤخّر القضايا الشّائكة إلى حين، إذ تمهّد البداية السّلسة الطّريق أمام التّقدّم بثباتٍ. خذ مثلاً جلسات الوساطة في حالات الطّلاق -وهي ساحات تفاوضٍ شاركت فيها بصفتي عميلاً ومحاميّاً ووسيطاً- حيث نحرص دوماً على الشّروع بمناقشة الملكيّة المشتركة، لما تنطوي عليه من وضوحٍ وبُعدٍ نسبيٍّ عن التّوترات العاطفيّة. بعدها ننتقل إلى موضوع النّفقة، ثم نختم بأكثر النّقاط تعقيداً وحساسيّةً: الأبناء. فترتيب الأوّلويّات بهذه الطّريقة لا يُيسّر التفاوض فحسب، بل يُكسبك زخماً نفسيّاً يُعينك في اجتياز المراحل الأصعب. والسّبب في بدءنا بالأشياء السّهلة هو أنّها تكون قابلةً للحلّ بسرعةٍ. كما أنّ تحقيق بعض النّجاحات الصّغيرة في البداية يُسهّل الانتقال إلى المواضيع المعقّدة لاحقاً.

استخدم الصمت المحسوب أو ما يُعرف بـ"الوقفة الحامل"

في عالم الصفقات، تَعلَّم فنّ استثمار الصّمت؛ فالبشر بطبعهم يميلون إلى ملء الفراغ بالكلام، وغالباً ما يُفضي هذا الاندفاع إلى إفساد الصفقات أو إضعاف الموقف التّفاوضي.

أُسمّي هذا الصّمت المُتقن بـ"الوقفة الحامل" فهي ليست مجرّد انقطاعٍ عابرٍ في الحديث، بل لحظة مشحونة بالمعنى، تزن أكثر من ألف كلمةٍ. بعد أن تُدلي برأيك، دع كلماتك تترسّخ، ثم اصمت. لا تحوّل الموقف إلى تحديقٍ متوتّرٍ، بل احتفظ بابتسامةٍ هادئةٍ، وانحنِ برأسك قليلاً إن شئت، بإيماءةٍ ودّيةٍ لا تخلو من الثقة. وبالمثل، حين يتحدّث الطّرف المقابل، لا تُسارع في الرّدّ.

ففي كثيرٍ من الأحيان، يكون هذا الصّمت كافياً لإعادة تشكيل التّفكير لدى الطّرف الآخر، وربّما يدفعه لتقديم عرضٍ أفضل. وإن لم يفعل، فالصّمت في حدّ ذاته قد يبعث القلق في نفسه، فيملأه بكلماتٍ وتنازلاتٍ لم تكن لتحصل عليها لولا هذا السّكون المدروس.

تجنّب الظهور بمظهر المتعطّش

ليس كلّ حماسٍ في التفاوض محموداً؛ فالمبالغة فيه كثيراً ما تكون دليل ضعفٍ، لا قوّة. فالمفاوض الجيّد لا يُظهر تعطّشه، بل يُخفي حاجته بحكمةٍ واتّزانٍ. على سبيل المثال، كنت أمثّل أحد العملاء في صفقةٍ ضخمةٍ، وبعد أن بعثنا بالشّروط للطّرف الآخر، غلب القلق على موكلي، وأخذ يلحّ عليّ أن أتواصل معهم لنتأكّد من استلامهم البريد الإلكتروني. لقد كان التوتّر يدفعه إلى استعجال الرّدّ، وكأنّ الصّفقة لن تتم إن لم نتلقَّ جواباً فوراً.

لكن لا تقع في هذا الفخ. في كلّ مرّةٍ تراودك فكرة أن ترسل رسالةً تقول فيها: "مرحباً، فقط أتحقّق من استلامكم بريدي"، أو "هل توصّلتم إلى قرار؟"، تروّث، وانتظر يوماً آخر. لأنّك إن أظهرت لهفتك، منحت الطّرف الآخر سلاحاً يستخدمه ضدّك؛ فهو يدرك حينها أنّك أنت من يحتاج إليه. أمّا إذا أتقنت فن الصّبر، وأحكمت قبضتك على رغبتك، فإنّك تعكس المعادلة: يصبح هو من ينتظر، وهو من يتوق، وهو من يسعى لك، لا العكس.

طبّق قاعدة الخمس سنوات

في عالم الصفقات، يُجسّد التوقيت فنّ الحفاظ على رباطة الجأش. فعندما تبدأ الأجواء بالتوتّر وتتصاعد حدّة المواقف، ألجأ دوماً إلى قاعدة الخمس سنواتٍ، وهي حكمةٌ ثمينةٌ استقيتُها من أحد مرشديّ، جوناثان ويغانت.

ويغانت، مؤسّس وكالة المواهب الّتي أنتمي إليها، رجلٌ حافلٌ بالبصيرة والخبرة، لا سيما في فهم النّفوس وخفايا الأعمال ومهارات التفاوض. وكان دائم التّذكير بسؤالٍ جوهريٍّ، ينبغي أن يرافقك في خضمّ أي صفقةٍ أو خلافٍ أو مواجهةٍ: "هل سيظلّ هذا الأمر مهمّاً بعد خمس سنوات؟"

بمعنى أدقّ: هل ما نختلف عليه الآن، والّذي يستنزف أعصابك، سيظلّ يحمل هذا الثّقل بعد مرور خمس سنوات؟ وغالباً، ستكون الإجابة الصّادقة: "لا، في الواقع، لن يُحدث فارقاً يُذكر". وإذا لم يكن لهذا الأمر قيمةٌ مستقبليّةٌ، فلماذا نحمّله أكثر ممّا يستحقّ في الحاضر؟

إنّ اعتماد منظورٍ طويل الأمد لا يحميك فقط من قراراتٍ متهوّرةٍ في لحظات التّوتر، بل يمنحك وضوحاً يجعل من التّوقيت أداة تأثيرٍ، لا مجرّد تفصيلٍ. فليست الكلمات وحدها ما يصنع الفرق، بل متى تُقال تلك الكلمات.

نُشرت هذه الرّؤية الخبيرة بقلم كين ستيرلينغ، نائب الرّئيس التّنفيذيّ في شركة "بيغ سبيك" (BigSpeak)، على موقع Inc.com.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: