استراتيجية الـ4Ds: خطة شاملة لعلاج التوتر من جذوره
يعاني الكثير من روّاد الأعمال من التّوتر المزمن رغم استخدامهم لطرقٍ تقليديّةٍ مؤقّتةٍ، لكن استراتيجية الـ4Ds تقدّم حلّاً متكاملاً يعالج الأسباب الحقيقيّة للضّغط النّفسيّ

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
ما الإشكال الكامن في معظم تقنيات تخفيف التّوتر الشّائعة؟ ببساطةٍ، مفعولها لا يلبث أن يتلاشى سريعاً؛ فاستراتيجيّات المواجهة كالجري، أو الانغماس في المدركات الحسيّة، أو تمضية أمسيةٍ خاملةٍ في متابعة "نتفليكس" (Netflix)، لا تعدو كونها مسكّناتٍ مؤقّتةٍ تخفّف الإحساس بأنّ الحياة قد أرهقتك أكثر ممّا تحتمل. غير أنّك، ما إن تعود إلى شركتك في اليوم التّالي، لتواجه زحف المهامّ المتكاثرة وضغط الأداء المتواصل، حتى تجد مستويات توتّرك قد ارتفعت من جديدٍ إلى ذروتها، وكأن شيئاً لم يكن.
يحلم كثيرٌ من روّاد الأعمال بحلٍّ دائمٍ لذلك الشّعور المربك والمثقل، حلٌّ لا يتطلّب الانتقال إلى ديرٍ منعزلٍ أو التّخلِّي عن مسؤوليّات الحياة الحديثة؛ فهل هذا الحلم بعيد المنال؟
الجواب: لا، بحسب ما ذكره اثنان من خبراء الصّحة النّفسيّة على منصة "سايك" (Psyche) مؤخّراً. حيث قدّم الثّنائيّ -وهما مستشارٌ وأستاذٌ جامعيٌّ- خطّةً متكاملةً لمواجهة الأسباب الجذريّة للضّغوط النّفسيّة، بهدف إعادة ضبط علاقتك مع التّوتّر بشكلٍ نهائيٍّ. وتأتي هذه الخطّة تحت مسمّى سهل التّذكّر: "الـ4Ds".
أنت بحاجة إلى حلول سريعة ومستدامة معاً
تتمثّل الرّؤية الجوهريّة في المقال الّذي كتبه وارن ولويز مانسيل في أنّ التوتر ليس ظاهرةً لحظيّةً فحسب، بل يمتدّ أثره على المدى القصير والطّويل معاً؛ فعندما يخيَّل إليك أنّك تعيش داخل قدر ضغطٍ، فأنت بأمسّ الحاجة إلى استراتيجيّاتٍ تخفّف عنك فوراً، إلى جانب تقنياتٍ تمكِّنك من التّعمّق في فهم الأسباب الجذريّة لتوتّرك والعمل على تغييرها. وذلك، لأنّك لن تقدر على بلوغ حلولٍ حقيقيّةٍ بينما تشعر أنّك تغرق.
ويكتب المانسيلز: "كما أنّ ضخّ الهواء في إطار السّيارة ليس سوى حلٍّ مؤقّتٍ لثقبٍ فيه، فإنّك عاجلًا أو آجلًا ستحتاج إلى معرفة مكان الثّقب وإصلاحه. التوتر يشبه ذلك تماماً؛ فأنت بحاجةٍ إلى حلولٍ تخفّف عنك الآن، وأخرى تعالج جذوره على المدى البعيد".
تبدأ منهجيّة الـ4Ds -وهي: إلهاء، تخفيف، تطوير، اكتشاف- بخطواتٍ فوريّةٍ، ثم تمضي نحو معالجةٍ أكثر عمقاً وجذريّةً.
الإلهاء (Distract)
كما أنّ الخطوة الأولى في الإسعافات الأوليّة هي وقف النّزيف، فإنّ أول مراحل استراتيجية الـ4Ds -الإلهاء- تهدف إلى تخفيف الألم الفوريّ ومنح العقل والجسد فرصةً للرّاحة. تختلف أفضل وسيلةٍ لتشتيت الذّهن عن التوتر من شخصٍ لآخر؛ فقد تكون في هوايةٍ، أو ممارسة رياضةٍ، أو قراءة كتابٍ، أو حتّى تصفّح الهاتف.
ويشير المانسيلز إلى أنّه لا بأس باللّجوء إلى أيّ نشاطٍ يساعدك في هذه المرحلة، شرط أن تتجنّب ما قد يفاقم المشكلة لاحقاً، كالإفراط في الشّرب أو الانشغال المفرط بالعمل.
التخفيف (Dilute)
صحيحٌ أنّ الإلهاء قد يمنحك شعوراً بالرّاحة المؤقّتة، لكنّه لا يزيل التوتر بشكلٍ دائمٍ. ولهذا السّبّب، من الضّروريّ أن تتجاوز هذه المرحلة المباشرة لتصل إلى حلولٍ أكثر عمقاً واستدامةً.
تبدأ الخطوة التّالية بتعلّم كيفيّة تهدئة جهازك العصبيّ في لحظات التوتر، إذ يقترح المؤلّفان عدّة تقنياتٍ فعّالةٍ، والّتي تم تناولها مراراً على موقع "إنك" (Inc.com)، مثل: تمارين التّنفس العميق الّتي تساعد على استعادة الهدوء، وتأمّل اليقظة الذّهنيّة الّذي يعزّز وعيك باللّحظة الحاضرة، إلى جانب استرخاء العضلات التّدريجيّ عبر شدّها ثم تحريرها ببطءٍ، ممّا يخفّف التوتر الجسديّ. كما يمكن أن يكون الارتباط بالعالم الماديّ عبر اللّمس، مثل: اللّعب بكرةٍ مضادةٍ للتوتر أو عجينة بلاي-دوه، وسيلةً بسيطةً وفعّالةً للتّهدئة.
كما يؤكّد المانسيلز على أنّ هذه الاستراتيجيّات ليست موحّدةً للجميع، إذ تختلف مدى فعاليّتها من شخصٍ لآخر ومن موقفٍ لآخر. لذلك، يُشجّع القرّاء على استكشاف أي منها يناسبهم أكثر، والتّعرّف على الوقت والمكان المناسبين لاستخدامها، بحيث يمكنهم التّعامل بمرونةٍ مع أنواع التوتر المختلفة في حياتهم.
شاهد أيضاً: التوتر كحافز للنمو: كيف قد يعرقلنا السعي الدائم؟
التطوير (Develop)
بعد أن تتعلّم كيف تكسر حلقة التوتر اللّحظيّ، يصبح لا بدّ من تهيئة الطّريق لاتّخاذ خطواتٍ تمتدّ آثارها إلى المدى البعيد. فكما يوضّح الثّنائيّ: "التّطوير هو المرحلة الّتي تسبق الاكتشاف النّهائيّ، ويتطلّب منك تذكير نفسك بقدرتك على التّحمّل، والتّخطيط المسبق، لتشعر بمزيدٍ من السّيطرة والاستعداد لمواجهة تحديّات المستقبل".
ولتحقيق ذلك، يوصيان بتبنّي تقنياتٍ محددةٍ، منها: تخصيص وقتٍ منتظمٍ لوقت القلق تسمح فيه لنفسك بالتّفكير، إلى جانب استدعاء قوتك الدّاخليّة ومواردك، وتصوّر الأشخاص الّذين يقفون إلى جانبك في مواجهة الصّعاب، ليصبح الطّريق أكثر وضوحاً وأماناً نحو التّغلّب على التّوتّر المستمرّ.
الاكتشاف (Discover)
الآن، وبعد أن اكتسبت المزيد من الثّقة والهدوء، يصبح عقلك في حالةٍ أفضل لتبدأ رحلة اكتشاف الأسباب الجذريّة لتوتّرك، ووضع خططٍ فعّالةٍ للتّخفيف منها. ولكن، كيف تبدأ هذه الرحلة؟
يقدّم المانسيلز عدّة اقتراحاتٍ تساعدك على ذلك، تبدأ باستخدام الكتابة الحرّة لتفكيك تشابك الأفكار وإخراجها إلى النّور، مع إتاحة المجال لنفسك لأن تكون غير متأكّدٍ وربّما متناقضٍ، ممّا يفتح لك الباب لمواجهة ما تريده حقّاً بعيداً عن توقّعات الآخرين، وإفساح المجال للأفكار لتطفو إلى السّطح بصورتها الحقيقيّة.
ولمساعدتك على تحديد مصادر التّوتر بدقّةٍ، يتضمّن المقال تمارين محدّدةً يمكن تجربتها. ولكنّه يؤكّد أيضاً أنّ معالجة التوتر ليست مساراً خطيّاً ثابتاً، بل قد تضطرّ أحياناً للتّنقل صعوداً وهبوطاً داخل هذا الهرم.
ويحذّر المانسيلز من أنّ مواجهة المشكلة بعمقٍ في مرحلة الاكتشاف قد تُثير مشاعر صعبةً، وقد تشعر خلالها بالحاجة إلى التّوقّف لأخذ استراحةٍ. وفي هذه اللّحظات، تظلّ الاستراتيجيّات الّتي تعلّمتها في المراحل الأدنى من الهرم ملجأً آمناً يمكنك العودة إليه متى شئت.
بقلم: جيسيكا ستيلمان، مساهمة في INC.COM@ENTRYLEVELREBEL.