هل يحدّد العمر مصير مشروعك الريادي؟
حين تدرك أنّ النّجاح لا يتعلّق بعُمرٍ ولا بتوقيتٍ مثاليٍّ، بل بصفاء الفكرة وصلابة الإرادة واتّساع التّجربة، يتكشّف لك أن كلّ مرحلةٍ عمريّةٍ تحمل فرصتها الخاصّة للانطلاق

رأيٌ خبيرٌ بقلم نوالا وولش، الرّئيسة التّنفيذيّة لشركة "مايند إكويتي" (MindEquity)، عالمة السّلوك، والمديرة غير التّنفيذيّة.
هل تتخيّل روّاد الأعمال على هيئة شبّانٍ في العشرينات يرتدون سترات «هودي»؟ في الواقع، تُظهر الأبحاث أنّ متوسّط عمر المؤسِّس أكبر بكثيرٍ. ولكن هل هناك سنٌّ مثاليٌّ لبدء مشروع؟ وهل يؤثّر العمر فعلاً في النّجاح؟
تحطيم الأسطورة: دورة حياة رائد الأعمال
غالباً ما يحتلّ الشّباب واجهة الإعلام؛ فالأغلفة تمجّد عباقرة التّقنية المراهقين. فالمتوسّط العمريّ للفائزين بجوائز "تيك كرانش" (TechCrunch) لا يتجاوز 29 عاماً، وقد قال مارك زوكربرغ يوماً: «الشّباب أذكى». وحتّى برامج التّمويل ترسّخ هذه الفكرة؛ فزمالة ثيل (Thiel Fellowship) تمنح 200 ألف دولار فقط للمؤسّسين دون الثّانية والعشرين ممّن يتخلّون عن الدّراسة.
صحيحٌ أنّ تفاؤل جيل زد وحيويّته يمنحان دفعةً قويّةً للبدايات؛ فالحماسة قبل أن تُثقِلها القيود، تدفعهم للعمل ليلاً ونهاراً، ولو على حساب حياتهم الشّخصيّة. وقد يثمر هذا الاندفاع نجاحاً مبكّرًا. ففي التاسعة عشرة أسّس سام ألتمان شركة "لوبت" (Loopt) قبل أن يقود لاحقاً "أوبن أي آي" (OpenAI)، التي تجاوزت قيمتها 150 مليار دولار. وفي الحادية والعشرين أطلق وانغ نينغ شركة "بوب مارت" (Pop Mart)، منتجة شخصيّات "لابوبو" (Labubu) الشّهيرة.
وعند الثانية والعشرين، شارك ستيفن بارتليت في تأسيس "سوشال تشين" (Social Chain) قبل أن يقدّم بودكاست مذكّرات المدير التّنفيذيّ (Diary of a CEO)، كما أسّس شركتَي "فلايت ستوري" (FlightStory) و"ثيرد ويب" (ThirdWeb). وفي العمر نفسه، أنشأ ألكسيس أوهانيان ريديت (Reddit) الّذي يضمّ اليوم أكثر من 510 ملايين مستخدم. وبعد عقدين، ما زال يبحث عن القيمة.
ولكن قِلّة فقط تتوقّف لتراجع سرعتها؛ فالأذكى هم من يُصغون لتجارب من سبقهم لتجنّب أخطاء المبتدئين.
حين تنضج التجربة تتغيّر شهيّة المخاطرة
في الثّلاثينيات والأربعينيات تمتزج الثّقة بالخبرة، وتتعمّق العلاقات والشّبكات. وفي سنّ الثلاثين أسّس جنسن هوانغ شركة "إنفيديا" (NVIDIA)، أوّل شركة رقاقاتٍ تبلغ قيمتها تريليون دولار. أمّا مؤسّسو "بوينغ" (Boeing) و"كارلسبرغ" (Carlsberg) و"سيلزفورس" (Salesforce) فكانوا في الخامسة والثلاثين، ومؤسّسو "لينوفو" (Lenovo) و"إنتل" (Intel) و"زارا" (Zara) و"إتش تي سي" (HTC) في التّاسعة والثّلاثين.
هذا يمنح الطّمأنينة لمن بدأ متأخّراً، إذ أظهرت دراسات معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وكلية كيلوج للإدارة (Kellogg) أنّ متوسّط عمر المؤسِّس في الولايات المتّحدة 42 عاماً، وأنّ الأسرع نموّاً بين الشّركات كان مؤسّسوها في الـ45. كما نجح مؤسّسو الأربعينيات بمعدّلٍ مضاعف عن نظرائهم في العشرينات، بفضل الخبرة والعلاقات.
بعضهم يواصل عمله الوظيفيّ، وآخرون يسعون لتحقيق طموحاتٍ مؤجّلةٍ، خصوصاً بعد التّقاعد أو فقدان العمل. وقد دفعت أحداث مثل الجائحة كثيرين لإعادة النّظر في مسارهم المهنيّ.
الفرصة متاحة في كلّ عمر
تُضخّم وسائل الإعلام قصص النّجاح النّادرة وتتجاهل الإخفاقات؛ فبحسب البروفيسور شيخار غوش، من أصل ألفي شركةٍ مدعومة استثماريّاً، 95% تخفق في تحقيق أهدافها الأولى، و70 إلى 80% لا تفي بعوائدها المتوقّعة، و40% تنهار كليّاً.
كما أوضحت في كتابي (Tune In)، إنّ سوء تقدير القادة غالباً ما ينشأ عن تحيّزٍ معرفيٍّ يجعلنا نُدرك النّجاحات لأنّها مرئيّةٌ، وننسى الإخفاقات لأنّها صامتةٌ؛ فيغدو الاستثناء هو القاعدة.
في زمن الذكاء الاصطناعي، ازداد بريق الصّورة النّمطيّة لرائد أعمال وادي السيليكون؛ كالأخوين كوليسون مؤسِّسي "سترايب" (Stripe)، أو ويتني وولف هيرد مؤسِّسة "بامبل" (Bumble). لكن خلف هذا اللّمعان تكمن دروسٍ قاسيةٍ.
ترك انهيار "إف تي إكس" (FTX) فجوةً بقيمة 8 مليارات دولارٍ في أموال العملاء، وانتهى مؤسِّسها سام بانكمان-فريد إلى حكمٍ بالسّجن 25 عاماً. كما حُكم على إليزابيث هولمز، مؤسِّسة "ثيرانوس" (Theranos)، بالسّجن 11 عاماً بعد تلاعبها بنتائج الاختبارات. والمفارقة أنّ كليهما بدأ في العشرينات. كذلك انهارت "وي وورك" (WeWork) قبل اكتتابها رغم تقييمها بـ47 مليار دولار.
تُظهر هذه النّماذج أنّ المشكلة ليست في التّقنية، بل في الغرور وضعف الرّقابة؛ فالقيادة تُقاس بالاتزان لا بالعمر.
حين تنضج الفكرة يسقط معيار السنّ
تجاوز العالم وهم ربط النّجاح بالعمر؛ فالأفكار القويّة، والعلاقات، والعمل الجاد، مصحوبةً بقليلٍ من الحظّ، تصنع النّجاح في أيّ عمر. وقد يولد الاختراق الحقيقيّ في العشرين أو في الستين، في مرآبٍ صغيرٍ أو في قاعة اجتماعاتٍ. فالعمر لا يحدّ الطّموح، بل يوجّهه.
لم يَفُت الأوان أبداً لتبدأ.
نُشر هذا المقال أصلاً على موقع (Inc.com).