نوم أعمق بتمرين واحد فقط: هل جربته من قبل؟
حين تتزايد ضغوط الحياة ويغدو النوم رفاهيةً مفقودةً، تكشف الأبحاث أنّ جلسات اليوغا المكثّفة قد تكون مفتاحاً طبيعياً لاستعادة النّوم العميق والتّوازن الجسديّ والذّهنيّ
في زمنٍ تزداد فيه ضغوط الحياة وتقلّ فيه ساعات الرّاحة، أصبح النّوم الجيّد حلماً صعب المنال لكثيرٍ من النّاس. فبين العمل الطّويل، والهواتف الذّكيّة، والضّغوط النّفسيّة، يعاني ملايين الأفراد حول العالم من اضطراباتٍ في النّوم تقلّل من جودة حياتهم وصحّتهم العامّة. غير أنّ دراسةً حديثةً جاءت لتقدّم أملاً جديداً، إذ كشفت أنّ ممارسة اليوغا العالية الكثافة قد تكون الحلّ الأمثل لاستعادة النّوم العميق وتحسين التّوازن النّفسيّ والجسديّ في آنٍ واحدٍ.
نتائج مفاجئة من جامعة هاربين الصينية
كشفت دراسةٌ أجريت في جامعة هاربين الرّياضيّة في الصّين ونشرت في يوليو في "مجلة النوم والإيقاعات الحيوية" (Sleep and Biological Rhythms) أنّ ممارسة اليوغا العالية الكثافة لمدّة 30 دقيقةٍ مرّتين أسبوعيّاً يمكن أن تكون أفضل تمرينٍ لتحسين جودة النّوم. حيث حلّل الباحثون بيانات 30 تجربةٍ علميّةٍ شملت أكثر من 2500 مشاركٍ من 12 دولةً مختلفةً، جميعهم يعانون من اضطراباتٍ في النّوم تتراوح بين الأرق الخفيف وصعوبة الدّخول في مرحلة النّوم العميق.
والمثير للاهتمام أنّ اليوغا تفوّقت على أنواعٍ أخرى من التّمارين مثل المشي وتمارين المقاومة، اللّذين احتلّا المرتبتين الثّانية والثّالثة على التّوالي في قدرتها على تحسين النّوم.
لماذا تساعد اليوغا على النوم؟
لا تزال الأسباب الدّقيقة وراء فاعليّة اليوغا في تعزيز النّوم غير واضحةٍ تماماً، لكنّ الباحثين وضعوا عدّة تفسيراتٍ علميّةٍ مدعومةٍ بأدلّةٍ أوّليّةٍ.
أحد أهمّ هٰذه الأسباب هو أنّ اليوغا تعمل على تنظيم التّنفّس. فتمارين التّنفّس العميق الّتي تتضمّنها جلسات اليوغا تساعد على تنشيط الجهاز العصبيّ اللّاوديّ، وهو المسؤول عن تهدئة الجسم وتنظيم عمليّات الرّاحة والهضم. وعندما ينشط هٰذا الجهاز، يبطؤ النّبض وينخفض ضغط الدّم ويتهيّأ الجسم للنّوم الطّبيعيّ العميق.
بالإضافة إلى ذٰلك، أشارت دراساتٌ أخرى إلى أنّ اليوغا تساعد على ضبط الموجات الدّماغيّة، حيث تحفّز توازن النّشاط بين موجات «ألفا» و«ثيتا» المرتبطة بالاسترخاء الذّهنيّ. هٰذا التّوازن يمكّن العقل من الانتقال بسهولةٍ إلى حالة السّكون الّتي تسبق النّوم، ويقلّل من الأرق النّاتج عن التّوتّر أو التّفكير المفرط.
نوم أعمق بتمرين واحد فقط: هل جربته من قبل؟
تخيّل أن تعطي نفسك نصف ساعةٍ مرّتين أسبوعيّاً فقط، مقابل ليالٍ من النّوم الهادئ والمريح. هٰذا ما تؤكّده الدّراسة الجديدة الّتي جعلت اليوغا محور الاهتمام بين الباحثين في علم النّوم. فبحسب التّحليل، لم يكن تأثير اليوغا محصوراً في من يعانون الأرق المزمن فحسب، بل شمل أيضاً أشخاصاً يتمتّعون بصحّةٍ جيّدةٍ، حيث أظهروا تحسّناً واضحاً في جودة النّوم ومدّة الاستغراق فيه.
واللّافت أنّ الفائدة لم تتوقّف عند نوعٍ محدّدٍ من اليوغا، إذ لوحظ أنّ الأنواع العالية الكثافة مثل «باور يوغا» أو «فينيسا يوغا» كانت الأكثر تأثيراً، نظراً إلى جمعها بين الجهد البدنيّ والتّنفّس المنتظم والتّركيز الذّهنيّ، وهي ثلاثيّةٌ فعّالةٌ في إعادة التّوازن للجسم والعقل.
كما يقول الباحثون إنّ التّأثير المتكامل لليوغا على الجسد والجهاز العصبيّ يجعلها من أقوى العلاجات الطّبيعيّة للأرق واضطرابات النّوم، مؤكّدين أنّ النّتائج تبدأ بالظّهور بعد الأسابيع الأولى من الانتظام في الممارسة.
ماذا عن التمارين الأخرى؟
رغم تفوّق اليوغا، فإنّ الدّراسة لم تهمّش فوائد أنواع التّمارين الأخرى. فقد احتلّ المشي المرتبة الثّانية من حيث قدرته على تحسين النّوم، إذ يساعد على تنظيم السّاعة البيولوجيّة للجسم بفضل التّعرّض للضّوء الطّبيعيّ وتنشيط الدّورة الدّمويّة. كما جاءت تمارين المقاومة — مثل رفع الأوزان الخفيفة أو استخدام الأربطة المطّاطيّة — في المرتبة الثّالثة، لما لها من دورٍ في تحسين جودة النّوم عبر تقليل التّوتّر العضليّ وتحفيز إفراز هرمون «الإندورفين»، المعروف بتأثيره المهدّئ والمحفّز للشّعور بالرّاحة.
ويؤكّد الخبراء أنّ ممارسة أيّ نشاطٍ بدنيٍّ منتظمٍ، حتّى وإن كان بسيطاً، تعدّ وسيلةً فعّالةً لتحسين جودة النّوم، بشرط أن تكون الممارسة قبل النّوم بعدّة ساعاتٍ وليس في وقتٍ متأخّرٍ من اللّيل، لتجنّب زيادة النّشاط العصبيّ قبل الاسترخاء.
تحذيرات الباحثين وحدود الدراسة
على الرّغم من النّتائج الواعدة، شدّد الباحثون على ضرورة التّعامل مع النّتائج بحذرٍ، إذ ما تزال هناك حاجةٌ إلى مزيدٍ من الأبحاث طويلة المدى لتأكيد العلاقة الدّقيقة بين أنواع التّمارين المختلفة وجودة النّوم. وقال فريق جامعة هاربين في تصريحاتٍ لهم: "يجب توخّي الحذر عند تفسير نتائج الدّراسات المتعلّقة باضطرابات النّوم، نظراً لمحدوديّة عدد الأبحاث المشمولة واختلاف خصائص المشاركين".
كما أشار أرسينيو باييز، الباحث في علم النّوم بجامعة كونكورديا في مونتريال، إلى أنّ تأثير التّمارين قد يختلف من شخصٍ لآخر حسب العمر والجنس والحالة الصّحّيّة. وأضاف: "بعض أنواع التّدخّل قد تكون مثاليّةً لشخصٍ في الثّلاثين من عمره، لكنّها أكثر صعوبةً أو أقلّ فاعليّةً لمن تجاوز الثّمانين".
الخلاصة
تظهر هٰذه الدّراسة أنّ النّوم العميق لا يحتاج إلى أدويةٍ أو حلولٍ معقّدةٍ، بل إلى قليلٍ من الالتزام والوعي بالجسد. فمجرّد نصف ساعةٍ من اليوغا مرّتين أسبوعيّاً كفيلةٌ بإحداث فرقٍ ملموسٍ في نوعيّة النّوم، ما يجعلها خياراً طبيعيّاً وآمناً لكلّ من يسعى إلى راحةٍ حقيقيّةٍ بعيداً عن الضّغوط والمنبّهات.
وفي النّهاية، يبدو أنّ الطّريق إلى نومٍ أفضل لا يمرّ عبر الوسادات أو الحبوب المنوّمة، بل عبر سجادة اليوغا — حيث يلتقي الجسد بالهدوء، والعقل بالسّكينة، والنّوم بالعمق.
-
الأسئلة الشائعة
- هل يمكن أن تساعد اليوغا فعلاً في علاج الأرق المزمن؟ نعم، أظهرت الدراسات أنّ ممارسة اليوغا بانتظام تقلّل من أعراض الأرق المزمن من خلال تهدئة الجهاز العصبي وتنظيم التنفس. كما تعمل على خفض مستويات التوتر والقلق اللذين يُعتبران من أبرز مسببات اضطرابات النوم.
- ما الفرق بين اليوغا العادية واليوغا عالية الكثافة من حيث تأثيرها على النوم؟ اليوغا عالية الكثافة تجمع بين الجهد البدني والتركيز الذهني والتنفس المنتظم، مما يزيد من نشاط الدورة الدموية ويُحفّز الجسم على الاسترخاء العميق، بينما تركز اليوغا التقليدية أكثر على التمدد والهدوء العام، لكنها قد تكون أقل تأثيراً في حالات الأرق الشديد.