الرئيسية التنمية مصطفى عيد.. ترك الجامعة ليبني شركة بملايين الدولارات

مصطفى عيد.. ترك الجامعة ليبني شركة بملايين الدولارات

من الرّسوب في المدرسة إلى تأسيس MoneyHash في نيويورك، رحلة مصطفى عيد تفضح فجوة التّعليم، وتعيد تعريف الجدارة في عالم الرّيادة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

في الوقت الّذي شهدت فيه منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، على مرّ العقد إلى الخمسة عشر عاماً الماضية، تحوّلاً جوهريّاً في النّظرة الاجتماعيّة إلى ريادة الأعمال، فإنّ التّصوّرات المتعلّقة بأهميّة التّعليم الرّسميّ لم تتغيّر إلّا بقدرٍ يسير، إن لم تكن قد بقيت على حالها. وعلى الرّغم من أنّ تجارب ترك الدّراسة الجامعيّة لبعض روّاد الأعمال المعروفين، كمارك زوكربيرغ وبيل غيتس، تعدّ أحياناً مصدراً لإعجابٍ واسع، فإنّ قرار الانسحاب من الجامعة لتأسيس شركةٍ ناشئةٍ (أو لأيّ سببٍ آخر) نادراً ما يقابل بالفخر في السّياق العربيّ، إن لم يكن مرفوضاً صراحةً. 

وهذا ما يُكسب تجربة رائد الأعمال مصطفى عيد، المؤسّس المشارك والمسؤول التّقنيّ الأوّل في "موني هاش" (MoneyHash)، المنصّة الّتي نشأت في مصر، وتتّخذ من نيويورك مقرّاً لها، والمتخصّصة في تنظيم المدفوعات وتقديم خدماتها في منطقة الشّرق الأوسط وأفريقيا، أهميّةً خاصّة. إذ يصرّح عيد، الّذي غادر جامعته لتأسيس شركته، في حديثٍ إلى مجلّة "عربيّة .Inc"، بأنّ قراره بعدم استكمال التّعليم الجامعيّ في مجتمعٍ يولي الشّهادات الرّسميّة قدراً بالغاً من الأهميّة، جعله شديد الإدراك لأثر المؤهّلات الأكاديميّة في الوصول إلى التّمويل. غير أنّ شركته النّاشئة نجحت، في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، في تأمين 5.2 ملايين دولارٍ أميركيٍّ في جولة ما قبل السّلسلة (أ)، بقيادة شركة رأس المال المغامر العالميّة "فلوريش فينتشرز" (Flourish Ventures)، الّتي سبق أن دعمت أكثر من مئة شركةٍ ناشئةٍ في قطاع التّكنولوجيا الماليّة، من بينها شركاتٌ بارزةٌ مثل "تشايم" (Chime)، و"فلاترويف" (Flutterwave)، و"فير ماني" (FairMoney)، و"نيون" (Neon). ولهذا، يرى عيد أنّ تصوّره لمعنى أن يكون الإنسان متعلّماً ومكتفياً ذاتيّاً يحمل في طيّاته دروساً قيّمةً للمبادرين المقبلين في ظروفٍ مماثلة. 

"لقد سلكت مساراً غير اعتياديٍّ في ما يتّعلّق بالتّعليم"، يقول عيد في حديثه للمجلّة. "ففي المرحلة الثّانويّة، اضطررت إلى إعادة سنةٍ دراسيّة، وتخرّجت بمعدّلٍ لا يتجاوز الخمسين بالمئة. في تلك اللّحظة، بدا ذلك الرّقم المسجّل في شهادتي وكأنّه حسم مستقبلي، وعُددت فاشلاً. لكنّني كنت واثقاً برغبتي العميقة في دراسة علوم الحاسوب". إلّا أنّ التّحدّيات الّتي واجهها لم تقتصر على تدنّي علاماته، إذ إنّ وضعه الاجتماعيّ والاقتصاديّ المتواضع حال دون التحاقه بجامعاتٍ مرموقة، واضطرّه إلى تغطية نفقاته الدّراسيّة بنفسه أثناء سنوات الجامعة. يقول: "خلفيّتي بسيطة، ولم أكن قادراً على تحمّل تكاليف الجامعات الخاصّة المرموقة مثل الجامعة الألمانيّة في القاهرة (German University in Cairo)، أو الجامعة الأميركيّة في القاهرة (American University in Cairo)، لذا عملت بدوامٍ كاملٍ في مراكز الاتّصال لتأمين رسوم جامعةٍ أقلّ كلفة. لكنّني بدأت أشعر تدريجيّاً بعدم الرّضا عن جودة التّعليم، واقتنعت بأنّ التّعلّم الذّاتيّ سيكون أنفع لي. آنذاك، أصبحت دورات معهد ماساتشوستس للتّكنولوجيا المفتوحة متاحة، إلى جانب الدّورات الأولى على منصّة "يوداسيتي" (Udacity)، فانصرفت إلى دراستها وحدي، وكنت في الوقت نفسه أعمل عملاً مستقلّاً في برمجة الحاسوب". 

في تلك المرحلة، بدأ عيد أولى خطواته في ريادة الأعمال؛ ففي عام 2014، أسّس مع صديقين له شركة "إيجنسي" (Egyncy)، المتخصّصة في تقديم خدمات التّسويق الرّقميّ. وقد استخدم الفريق الإيرادات الأولى من "إيجنسي" لتمويل أفكارٍ لمشروعاتٍ تعبّر عن قضايا يؤمنون بها، وكان أوّل تلك المشاريع منصّةً حملت اسم "بطيخ" (Bteekh)، أطلقت عام 2016. يقول عيد: "كانت بطيخ منصّةً لإنتاج المحتوى واكتشافه، وبدأت بتوفير صور الرّسوم المتحرّكة القصيرة (GIF). في ذلك الوقت، كانت أدوات الدّردشة ومواقع التّواصل الاجتماعيّ في أوج انتشارها، وأصبحت المقاطع القصيرة جزءاً أساسيّاً من التّفاعل الرّقميّ. لكنّ المستخدمين النّاطقين بالعربيّة كانوا مهمّشين إلى حدٍّ كبير، إذ إنّ أغلب الأدوات المتوفّرة لم تكن تدعم اللّغة العربيّة، ولا تعكس هموم مستخدميها. لذا اقتصرت معظم صور GIF المتاحة، وما يزال الكثير منها حتّى اليوم، على الثّقافة الغربيّة، رغم أنّ منطقتنا تزخر بقرنٍ كاملٍ من الإنتاج الدّراميّ في أفلامٍ ومسلسلاتٍ ومسرحٍ يحظى بشعبيّةٍ واسعة. ولمّا أطلقنا الأداة، حظيت باهتمامٍ كبير، وانتشر محتواها على نطاقٍ واسع، وبعضه ما يزال ظاهراً في نتائج البحث على غوغل إلى اليوم بشعارنا. ومع ذلك، عجزنا عن تأمين تمويلٍ يتجاوز مبلغاً صغيراً من صديق، وبذلنا كلّ ما في وسعنا للاستمرار، لكنّ تكلفة الإبقاء على المشروع كانت مرتفعة، فاضطررنا في النّهاية إلى التّوقّف. ومع أنّ التّجربة انتهت، فإنّ بطيخ كانت عزيزةً عليّ، إذ تعلّمت منها دروساً ثمينةً في بيئة الشّركات النّاشئة". 

ويدرك عيد، وهو يستعيد رحلته في البحث عن تمويلٍ لمشروع "بطيخ"، أنّ تدفّقات التّمويل تميل عادةً إلى من ينتمون إلى خلفيّاتٍ اجتماعيّةٍ واقتصاديّةٍ أعلى. يقول: "غالباً ما يكون روّاد الأعمال هؤلاء إمّا ممّن عملوا سابقاً في "أوبر" (Uber) أو "كريم" (Careem) أو الشّركات التّقنيّة الكبرى، أو ممّن تخرّجوا في مؤسّساتٍ أجنبيّةٍ أو جامعاتٍ محلّيّةٍ رفيعة المستوى، ومعظمها خاصّ. ويبدو أنّ الشّبكة بأكملها، من مؤسّسين ومستثمرين ولجان تحكيم، مرتبطةٌ بعضها ببعضٍ ارتباطاً وثيقاً. فإن لم تكن جزءاً من تلك الأوساط بالدّراسة أو الخبرة، يصبح اختراقها صعباً للغاية ". لكنّ تلك العقبات لم تحطّ من عزم عيد، بل زادته إصراراً على شقّ طريقه بنفسه، وصناعة فرصه بعيداً عن هذه الحلقة المغلقة. وفي الحقيقة، كان شغفه بعالم الشّركات النّاشئة يتعزّز مع كلّ تجربة، وبعد سنواتٍ من العمل في عددٍ من الشّركات النّاشئة، شارك عام 2020 في تأسيس "موني هاش" مع نادر عبد الرّزّاق. وعلى الرّغم من اعتزازه بكونه متعلّماً ذاتيّاً ورائداً مستقلّاً، فإنّه يعترف بأنّ افتقاره إلى التّعليم الرّسميّ كثيراً ما دفعه إلى مراجعة ذاته، فيقول: "صادفت في رحلتي هذه حالةً من متلازمة الدّخيل، فكثيراً ما خشيت أن يطغى غياب الشّهادة الجامعيّة على قدراتي". 

واليوم، وبعد أن أصبح عيد رائداً لمشروعه، وغالب ما يعرفه تعلّمه بذاته، بات يولي اهتماماً خاصّاً بالمواهب غير التّقليديّة في المنطقة. يقول: "في كلّ شركةٍ عملت فيها، استعنت بأشخاصٍ تركوا الجامعة، وكانوا من أبرع أعضاء الفريق. في "موني هاش" (وفي شركاتٍ سابقةٍ أيضاً)، لا نمنح الشّهادات ثقلاً كبيراً، ولا نشترط المؤهّل الجامعيّ لمن يتقدّم إلى وظائفنا؛ إن كنت تملك المهارة المطلوبة، فأهلاً بك". ولا يعني هذا أنّ عيداً متحاملٌ على من نالوا تعليماً رسميّاً، ولكنّه يرى أنّ القطاع بأكمله بحاجةٍ إلى موقفٍ يجعل الجدارة والكفاءة مقدّمتين على أسماء المؤسّسات الأكاديميّة. يقول: "أعتقد أنّنا بحاجةٍ إلى مجتمعاتٍ تلتزم الحياد الحقيقيّ تجاه المؤهّلات الرّسميّة، أي بيئاتٍ تكون المهارات فيها أهمّ من اللّقب المطبوع على الشّهادة. كما أنّنا بحاجةٍ إلى إبراز المزيد من قصص المؤسّسين في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا الّذين سلكوا مساراتٍ غير تقليديّة، وبلغوا مع ذلك مستوياتٍ رفيعةً من النّجاح، لأنّ تداول هذه القصص يساهم في تطبيع فكرة أنّ الطّريق غير المعتاد قد يؤدّي إلى ابتكارٍ عظيمٍ ونجاحٍ لافت. نحن بحاجةٍ إلى الارتقاء بمختلف الخلفيّات، وتقييم النّاس بناءً على القيمة الّتي يخلقونها، لا على ما تحمله شهاداتهم من علاماتٍ وشعارات". 

نُشرت هذه المقالة لأول مرة في عدد مارس من مجلة "عربية .Inc". لقراءة العدد كاملاً عبر الإنترنت، يُرجى النقر هنا.

آخر تحديث:
تاريخ النشر: