الرئيسية تكنولوجيا مستقبلٌ زاخرٌ بالإمكانات مع الحوسبة الكمّيّة

مستقبلٌ زاخرٌ بالإمكانات مع الحوسبة الكمّيّة

تعيد الحوسبة الكمّيّة رسم ملامح المستقبل من خلال الابتكار العالميّ والتّعاون العابر للحدود

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

كتبها بالإنجليزية: سناء عودة على الرابط هنا

في عام 1925، ولدت فكرةٌ ثوريّةٌ غيّرت إلى الأبد فهمنا للكون. ففي ذلك العام، طوّر إرفين شرودنجر ميكانيكا الموجة، وابتكر فيرنر هايزنبرغ ، وماكس بورن، وباسكوال جوردان ميكانيكا المصفوفات، ليضعوا بذلك الأسس الأولى للحوسبة الكمّيّة. واليوم، إذ نحتفي بمرور قرنٍ على هذه الإنجازات المفصليّة، أعلنت الأمم المتّحدة عام 2025 "السّنة الدّوليّة لعلوم وتكنولوجيا الكمّ"

تجسّد هذه المبادرة احتفاءً بقرنٍ من ميكانيكا الكمّ، وتبرز تأثيرها العميق على التّكنولوجيا والثّقافة وفهمنا للعالم الطّبيعيّ. لقد مكّننا إدراكنا لبنية الكون الأساسيّة من ابتكار حسّاساتٍ بالغة الدّقّة، تستطيع رسم خرائط لقاع المحيطات، والكشف عن البنى التّحت أرضيّة، ورصد التّغيّرات داخل الجسد البشريّ الّتي تعجز أجهزة التّصوير الطّبّيّ الحاليّة عن تبيّنها.

حلول جديدة

وباختيار عام 2025 كمحطّةٍ مفصليّةٍ في تاريخ ميكانيكا الكمّ، تقرّ الأمم المتّحدة بالإمكانات التّحويليّة لعلوم وتكنولوجيا الكمّ في تطوير حلولٍ مستدامةٍ للطّاقة والتّعليم والاتّصالات وصحّة الإنسان. وتدرك المنظّمة أنّ البحث والتّطوير في هذا المجال يعدّ أساساً لتحقيق أهداف التّنمية المستدامة، لما يملكه من قدرةٍ على الارتقاء بالصّحّة والرّفاه، وتقليص الفجوة، وتعزيز الصّناعة والبنية التّحتيّة، وتحفيز النّموّ الاقتصاديّ، ودعم مبادرات العمل المناخيّ والطّاقة النّظيفة.

تسهم الضّوئيّات الكمّيّة في تعزيز الصّحّة والرّفاه عبر تقديم حلول كشفٍ طبّيٍّ سريعةٍ ونظيفةٍ، بينما تساعد الكيمياء الكمّيّة في تطوير لقاحاتٍ وأدويةٍ جديدةٍ. أمّا في ميادين الصّناعة والبنية التّحتيّة، فتقود الهندسة الكمّيّة إلى ابتكار خلايا شمسيّةٍ أكثر كفاءةً وأقلّ تكلفةً، ومصادر ضوءٍ LED منخفضة الإنبعاثات. كما تلوح إمكانيّاتٌ هائلةٌ لتطوير موادّ تركيبيّةٍ تمكّننا من تصنيع كلّ شيءٍ تقريباً بكفاءةٍ أعلى. وفي إطار العمل المناخيّ، تتيح الفيزياء الكمّيّة للعلماء تطوير حسّاساتٍ متقدّمةٍ لمراقبة البيئة، وتجرى اليوم أبحاثٌ على معالجاتٍ كمّيّةٍ تهدف إلى تحسين دقّة نماذج المناخ بعيدة المدى.

حلولٌ مبتكرةٌ

للاستفادة الكاملة من إمكانات الحوسبة الكمّيّة في مواجهة التّحدّيات العالميّة، ينبغي ضمان تكافؤ الفرص والتّعليم. يجب أن تبنى الحلول من القاعدة إلى القمّة، بما يمنح الأفراد القدرة على ابتكار حلولٍ لقضايا مجتمعاتهم. على سبيل المثال، تستطيع الحوسبة الكمّيّة تحسين توزيع الموارد في جهود الإغاثة عند الكوارث، أو رفع كفاءة الطّاقة من خلال تحسين شبكات الكهرباء وتطوير تكنولوجيا الطّاقة المتجدّدة. كما يمكن للذّكاء الاصطناعيّ، تعزيز فرص الحصول على الرّعاية الصّحّيّة بتقديم تحليلاتٍ تنبّؤيّةٍ لتفشّي الأمراض وخططٍ علاجيّةٍ مخصّصةٍ، أو دعم مراقبةٍ وإدارة الموارد الطّبيعيّة لتحقيق الزّراعة المستدامة.

هنا تبرز أهمّيّة مبادراتٍ مثل الهاكاثون الدّوليّ للصّالح الاجتماعيّ في جامعة نيويورك أبوظبي، إذ تعزّز الابتكار والتّعاون لإنتاج حلولٍ مؤثّرةٍ. على مدار 13 عاماً، نجح هذا الهاكاثون في جمع الطّلّاب والمرشدين الموهّبين من مختلف دول العالم، لإيجاد حلولٍ لمشكلات مجتمعاتهم. يتدرّب الطّلّاب على صقل مهاراتهم في الحوسبة الكمّيّة، والذّكاء الاصطناعيّ، وتطوير البرمجيّات، وعلوم البيانات، وتعلّم الآلة، والأمن والخصوصيّة، وريادة الأعمال. وعبر توظيف هذه المعارف في ابتكار تكنولوجيا للصّالح الاجتماعيّ، يتوافق عملهم مع أهداف التّنمية المستدامة للأمم المتّحدة.

ومن المدهش حقّاً حجم الإنجاز الّذي يمكن للعقول المتعاونة بلوغه في ظلّ المنافسة البنّاءة. فمثلاً، ابتكر مشاركون سابقون خوارزميّاتٍ لتوقّع انقطاع التّيّار الكهربائيّ في الشّبكات، وركّزت فرقٌ أخرى على مشكلات هدر الطّعام، وتنظيف المحيطات، وتسرّب الغازات، وتحدّيات الصّحّة. جميعها قضايا عملت عليها منظّماتٌ كبرى لسنين، وتمكّن طلّابنا من اقتراح حلولٍ مبتكرةٍ خلال أيّامٍ، فقط لأنّهم اقتربوا من المشكلات من زاويةٍ جديدةٍ.

لهذا السّبب، أصبح بإمكان الفائزين اليوم عرض أفكارهم في قمّة مؤسّسة جنيف الرّائدة للعلوم والدّبلوماسية أمام بعضٍ من كبار الخبراء العالميّين. كما نشهد اتّساع الأثر العالميّ لمبادرتنا، من خلال المشاركة في "السّنة الدّوليّة لعلوم وتكنولوجيا الكمّ 2025"، والتّعاون مع اليونسكو، والمعهد المفتوح للكمّ في سيرن على تنظيم هاكاثوناتٍ حول العالم. تشمل هاكاثونات اليوم لبنان، واليونان، وغانا، وتايلاند، ومصر، والأوروغواي، وجميعها تستلهم خبرة وصيغة هاكاثوننا. ومن هنا تعدّ الإمارات مركزاً رائداً لاستكشاف الأفكار الجديدة القادرة على تغيير العالم نحو الأفضل.

سدّ الفجوة

نعيش عصراً أصبحت فيه الحاجة إلى التّعاون أكثر إلحاحاً من أيّ وقتٍ مضى. ففي عالمٍ بات يميل إلى الإنكفاء على الذّات والابتعاد عن العولمة، لم يعد أمامنا سوى العمل المشترك عبر الحدود لمواجهة التّحدّيات البيئيّة والصّحّيّة والاقتصاديّة.

يجب أن ينصبّ تركيزنا على ردم الفجوة الرّقميّة، حتّى يمتلك الجميع الأدوات اللّازمة لحلّ المشكلات وصناعة الفرص الجديدة. هناك العديد من القضايا – من الصّحّة إلى تغيّر المناخ، وشحّ المياه والغذاء – لا سبيل إلى حلّها إلّا بالعمل الجماعيّ.

تعدّ الشّراكات العالميّة ضرورةً لتبادل الموارد والخبرات، وضمان العدالة في الوصول إلى التّكنولوجيا النّاشئة. وينبغي تمكين المناطق الأقلّ تمثيلاً بمنحها التّعليم والأدوات الّتي تمكّنها من المشاركة في ميادين المعرفة المتقدّمة، بغضّ النّظر عن الموقع الجغرافيّ أو الوضع الاقتصاديّ.

وبينما نحتفي بالسّنة الدّوليّة لعلوم وتكنولوجيا الكمّ، نفخر بأنّ هاكاثوننا جزءٌ من الفعاليّات الرّسميّة لليونسكو احتفاءً بهذه المناسبة. إنّ هذه الرّؤية للتّقدّم الجماعيّ تستحقّ أن نحتضنها جميعاً. فبالمعرفة المشتركة، والاحترام المتبادل، والالتزام بالعدالة، نستطيع أن نضمن أن تصل ثمار التّقدّم التّكنولوجيّ إلى كلّ زاويةٍ في عالمنا المترابط.

عن الكاتبة

سناء عودة، أستاذةٌ مشاركةٌ في "جامعة نيويورك أبوظبي" (NYUAD)، ومؤسّسةٌ ومنظّمةٌ "الهاكاثون الدّوليّ للصّالح الاجتماعيّ في أبوظبي".

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: