ضجيج السوق في نهاية العام: من يخطط يُسيطر، ومن يؤجل يختفي!
حين يخطّط القادة للتّواصل الاستراتيجيّ منذ البداية، يتمكّنون من تجاوز ضجيج نهاية العام، وتعزيز حضور علامتهم، ورفع تأثيرها على السّوق بثقةٍ ووضوحٍ

هذا المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
تُهمل شركاتٌ عديدةٌ التّواصل أثناء التّخطيط ربع السّنويّ، إذ يُنظر إليه -غالباً- بوصفه وظيفةً مساندةً لا محرّكاً استراتيجيّاً رئيسيّاً. ومع ذلك، في أسواقٍ مثل الإمارات، حيث يمضي السّكان بين 8 و10 ساعاتٍ يوميّاً متّصلين بالإنترنت، يصبح التّواجد والوضوح أمراً محوريّاً لا غنى عنه. يتوقّف الاكتشاف وتوليد العملاء المحتملين، ثمّ المبيعات، على مدى انتظام العلامة التجاريّة في التّواصل مع السوق، وذلك مع تقديم المعلومات الدّقيقة لأصحاب المصلحة في الوقت المناسب. ومع اقتراب نهاية العام، تُبرز الشّركات الّتي تمتلك خطّة تواصلٍ تمتدّ إلى الرّبع الرّابع (Q4) كفاءتها في اجتياز الضّجيج، متفوّقةً على المنافسين الّذين يهرعون في اللّحظة الأخيرة لافتراس الانتباه، فتثبت بذلك تفوّقها الاستراتيجيّ وصمودها أمام فوضى السّوق.
تمتدّ ذروة النّشاط الاتّصاليّ في المنطقة من سبتمبر إلى ديسمبر، حيث تتوالى إعلانات الميزانيّة، وعروض التّجزئة التّرويجيّة، والفعاليّات الكبرى مثل: "جيتكس غلوبال" (GITEX Global)، و"أديبيك" (ADIPEC)، و"معرض الخمسة الكبار" (Big 5)، إلى جانب احتفالات اليوم الوطنيّ في السّعوديّة والإمارات والحملات الموسميّة، فتتكدّس المنصّات الإعلاميّة بالرسائل والمحتوى، وتتنافس جميع الشّركات، من الصّغيرة والمتوسّطة إلى متعدّدة الجنسيات، على نيل الرّؤية والظّهور أمام جمهورها المستهدف. وينتج عن ذلك مشهدٌ مزدوجٌ، حيث تصعب التّغطية من الدّرجة الأولى بسبب اكتظاظ غرف الأخبار، بينما تُبكّر العلامات التّجاريّة في التّخطيط، وتفهم خفايا السّوق، وتتقن فنّ تقديم رسالتها؛ فتترسّخ مكانتها وتفرض حضورها الاستراتيجيّ وسط الضّجيج.
الأركان الاستراتيجية لنجاح التواصل
تولي العلامات التّجاريّة في المنطقة أهميّةً قصوى لسمعتها، باعتبارها عاملاً محوريّاً يُوجّه القرارات التّجاريّة، فتسعى لتأسيس ريادةٍ فكريّةٍ لإداراتها العليا. تُبرز التّنفيذيّات كأصواتٍ موثوقةٍ في وسائل الإعلام المتخصّصة بالأعمال والتّقنية والصّناعة، ممّا يعزّز سمعة الشّركة ويُرسّخ الثّقة مع أصحاب المصلحة وصنّاع القرار.
تعزّز العلامات التّجاريّة حضورها الرّقميّ باعتباره الرّكيزة الأساسيّة للتّميّز، ما يجعل تحسين محرّكات البحث أداةً استراتيجيّةً أساسيّةً تضمن وصول المحتوى إلى الجمهور المستهدف. ومع بدء أكثر من 90% من التّجارب الرّقميّة بمحرّك البحث، يمتدّ تأثير المحتوى المحسّن لما هو أبعد من نشره الأوّليّ، ليصبح أداةً دائمةً للتّواصل والانتشار، ويؤثّر بشكلٍ مباشرٍ في وعي الجمهور وسلوكيّاته. كما تظهر الإمارات سوقاً متقدّماً في استخدام "لينكدإن" (LinkedIn)، إذ تصل نسبة انتشاره إلى نحو 80% بين المهنيّين العامليّن، ما يحوّل الرّيادة الفكريّة عبر الشّبكات الاجتماعيّة إلى قوّةٍ ترفع الحضور الشّخصيّ والمؤسّسيّ في نتائج البحث.
يقود السّرد المبنيّ على البيانات رافعةً استراتيجيّةً أخرى، فيتجاوب الصّحفيّون والجمهور مع الأرقام، سواء عبر مسحٍ سريعٍ لآراء القطّاع أو من خلال توقّعاتٍ مستقبليّةٍ لعام 2026. وتمنح البيانات المملوكة للعلامات التّجاريّة السّلطة والمصداقيّة الّتي لا تضاهيها أيّ مادةٍ ترويجيّةٍ بسيطةٍ، بينما تُعزّز قصص نجاح العملاء في الوقت نفسه مصداقيّة العلامة التّجاريّة كدليلٍ خارجيٍّ يرسّخ الثّقة لدى الإعلام والجمهور. وتُقدّم دراسة حالةٍ -أُعدّت بالتّعاون مع عميلٍ خلال فعاليّاتٍ مثل "جيتكس غلوبال" أو "أديبيك" زاويةً إعلاميّةً متكاملةً، فتتفوّق بذلك في الإقناع على أيّ إعلانٍ مستقلٍّ، وتضمن وصول الرّسالة إلى الجمهور بشكلٍ أعمق وأكثر مصداقيّةً.
تنشئ الاستراتيجيّات الأكثر فعاليّةً قنواتٍ متعدّدةً مترابطةً، لتواكب سلوك المشترين في قطّاع الشّركات بين الشّركات (B2B)، الّذين يستهلكون في المتوسط 13 مادةً إعلاميّةً خلال رحلتهم الشّرائيّة، ثماني منها تنتجها الشّركات نفسها وخمس من أطرافٍ ثالثةٍ. وتوضّح هذه البيانات أنّ الاعتماد على التّغطية الصّحفيّة وحدها لا يكفي، فيدمج المسؤولون العلاقات العامّة التّقليديّة مع صيغٍ رقميّةٍ متقدّمةٍ مثل البودكاست، والمقالات على لينكدإن، والفيديوهات القصيرة، مع تعزيز الحضور المباشر على المنصّات خلال الفعاليّات الرّئيسيّة. ويضمن هذا النّهج وصول الرّسائل -بشكلٍ متّسقٍ ومتكاملٍ- إلى الجمهور عبر مختلف القنوات، مع تعزيز تأثير العلامة التّجاريّة ورفع حضورها في وعي الشّركاء والعملاء.
شاهد أيضاً: ماذا لو أنشأ العرب منصة تواصل اجتماعي خاصة بهم؟
استراتيجيات التركيز التكتيكي في قطاع الشركات حتى نهاية العام
- سبتمبر: ضع الأسس من خلال تعزيز الرّيادة الفكريّة، واستعرض المزايا في المنشورات المتخصّصة بالأعمال والتّقنية استعداداً لفعاليّاتٍ مثل: "جيتكس غلوبال" وغيرها من الفعاليّات الكُبرى.
- أكتوبر: عزّز الرّؤية العامّة عبر التّفاعل اليوميّ في المعارض والمؤتمرات، من خلال المقابلات، والتّعليقات الخبيرة، ومقتطفات الفيديو المرتكزة على التّجمّعات الرّئيسيّة.
- نوفمبر: ركّز على سرد أحداث العام، مع تقديم تحليلاتٍ حول مرونة السّوق والدّروس المستفادة خلال 2025.
- ديسمبر: اختم بقوّةٍ من خلال تقديم توقّعاتٍ مستقبليّةٍ لعام 2026، مع التّحضير لحملات يناير لتجنّب الانخفاض بعد عطلة نهاية العام.
تؤجّل العلامات التّجاريّة استراتيجيّات التّواصل حتّى اللّحظة الأخيرة، فتختفي عندها أهمّ الفرص الإعلاميّة قبل أن تتمكّن من استثمارها. وفي الوقت نفسه، يُخطئ كثيرون بتوقّع أنّ إعلاناً واحداً يكفي لاختراق السّوق، بينما يوسّع المنافسون كلّ مادةٍ إعلاميّةٍ لتصبح جزءاً من حملاتٍ متعدّدة الطّبقات، ما يزيد صعوبة اختراق الضّجيج الإعلاميّ ويضاعف حدّة المنافسة.
كما يقع العديد في فخّ التّرويج الذّاتيّ، مركّزين على منتجاتهم وإنجازاتهم، بدل تقديم رؤى السّوق والرّيادة الفكريّة التي يبحث عنها الإعلام والمجتمع المهنيّ. وهنا يُطرح السّؤال الجوهريّ: "إذا لم تكن موظّفاً في هذه الشّركة، ما القصص التي ستضغط لقراءتها؟" ويشير ذلك إلى الحاجة لتغيير منظور العلامات التّجاريّة والتّركيز على ما يهمّ الجمهور حقّاً. ويغفل الكثيرون الإعلام النّاطق بالعربيّة، رغم أنّ العربيّة تبقى لغة الحكومة والعديد من الشّركاء المؤسّسيين في المنطقة، ما يجعل التّواجد الإعلاميّ بها ضروريّاً لتعزيز الرّؤية والمصداقيّة، ويترتب على هذا التّجاهل فقدان فرصٍ حقيقيّةٍ لتعزيز الثّقة والتّأثير في السّوق المحليّ، ما يضعف حضور العلامة التّجاريّة أمام جمهورها وشركائها.
أخيراً، تدخل العلامات التّجاريّة الرّبع الرّابع دون خطّةٍ واضحةٍ، فتختفي في الخلفيّة بين ضجيج المنافسة، بينما تدمج العلامات الذّكيّة الاتّصالات ضمن استراتيجيّتها، تدعم رواياتها بالبيانات، وتشرك العملاء في سرد قصصها، وتضاعف حضورها عبر نقاط اتّصالٍ متعدّدةٍ، ممّا وصول الرّسائل بشكلٍ متّسقٍ، ليس فقط لتجاوز ضجيج نهاية الموسم، بل للتّنقل فيه بمهارةٍ واستراتيجيّةٍ، مع إبراز حضور العلامة التّجاريّة وتعزيز تأثيرها الواضح في السّوق.
حول الكاتب
أناستاسيا جالوفاتينكو (Anastasiya Galovatenko)، مديرة العلاقات العامّة في شركة "شيربا كوميونكيشنز" (Sherpa Communications) ومقرّها الإمارات.