البناء على العلن: مؤسس OCTA يشارك الجمهور رحلة بناء الشركة
رائد الأعمال جون سانتيان يتبنّى أسلوب البناء العلنيّ لمشاركته رحلة تأسيس شركته النّاشئة، موضّحاً التّحديات والنّجاحات لحظةٍ بلحظةٍ بشفافيّةٍ مطلقةٍ

ها المقال متوفّرٌ باللّغة الإنجليزيّة من هنا.
في زمنٍ تُفضِّل فيه الشّركات النّاشئة أن تظهر على السّاحة فقط بعد إعلان جولة تمويلٍ ناجحةٍ أو كسب عميلٍ بارزٍ، يبدو أنّ رائد الأعمال المُقيم في دولة الإمارات، جون سانتيان، يسلك طريقاً يُشبه الخروج عن المألوف: يقدّم نظرةً غير مفلترةٍ على كلّ ما يعمل عليه مع فريقه داخل شركته، حتّى قبل أن تكتمل الرّؤية. إذ يُطلق سانتيان على منشوراته عبر منصّة لينكدإن وصف "البناء في العلن"، وهو بحسب تعبيره: "أن تُظهِر العمل بينما لا تزال تكتشف الطريق... لا بعد الانتصار الكبير، ولا بعد ترتيب كلّ شيء،ٍ بل أثناء التّكوين".
سانتيان، الشّريك المؤسّس والرّئيس التّنفيذيّ لشركة "أوكتا" (OCTA)، وهي منصّةٌ تقنيّةٌ ماليّةٌ مقرّها الإمارات، توفّر حلولاً ذكيّةً لتسريع المدفوعات بين الشّركات B2B، من خلال أتمتة تحصيل الفواتير وإدارة العقود وتعقُّب المدفوعات. وهذه ليست المرّة الأولى التّي يخوض فيها سانتيان غمار الرّيادة، إذ أسّس من قبل شركة "ديناري" (Dinari) المتخصّصة في تحويل الأموال، والّتي نشأت أيضاً في دبي، قبل أن تستحوذ عليها شركة "كريم" (Careem)، إحدى الشّركات العملاقة في المنطقة.
ويؤكّد سانتيان أنّ قرار البناء في العلن قد اُتّخذ منذ اللّحظة الأولى لخروجه مع شريكته نوبور ميتال من كريم: "في اليوم الّذي تركنا فيه كريم، نشرت ذلك على لينكد إن"، إذ قال: "لوضع نبرةٍ واضحةٍ منذ البداية: سنبني في العلن".
ويُصرّ سانتيان على أنّ هذا التّوجّه لم يكن حركةً تسويقيّةً أو محاولةً للظّهور بمظهر الشّفافيّة، بل كان ردّاً مباشراً على ما يراه خللاً متفاقماً في بيئة الشّركات النّاشئة بالمنطقة؛ فقال: "في شركتي السّابقة، كان جمع التّمويل في البدايات بمثابة معركةٍ طاحنةٍ. تحاول بيع رؤيةٍ بلا أرقامٍ، وحتّى أولئك الّذين يدّعون أنّهم يستثمرون في المراحل المبكّرة، في الحقيقة ينتظرون مؤشّرات النّموّ، إذ تجد نفسك مجبراً على إثبات شيءٍ ليس لديك ما تستند إليه لتثبته، الأمر الّذي يدمّر معنويّاتك".
وقد ساهم هذا الإحباط المتراكم، بالإضافة إلى فهمه لطريقة تقييم المستثمرين للمؤسّسين الجدد، في بلورة القرار الّذي اتّخذه مع ميتال بشأن أوكتا؛ فيقول سانتيان: "الكثير من رؤوس الأموال الجريئة التي دخلت السّوق بعد عام 2018 لم تأتِ من خلفيّاتٍ تشغيليّةٍ، إذ جاء معظمهم من الاستشارات أو البنوك. قلّةٌ فقط منهم عملت كمشغّلين فعليّين. لذلك، فهم يقيسون بما يعرفونه فقط: العروض التقديمية، وحجم السّوق، والمؤشّرات الرّقميّة. لم يُدرَّبوا على تمييز التّصميم والإيمان الدّاخلي، بل درّبهم النّظام على اكتشاف الأنماط المتكرّرة".
ويُضيف: "لهذا السّبب قرّرت أن أُظهر العمل؛ لأنّه كلّما كنت في مرحلةٍ أبكر، كلّما كان من الأهمّ أن تُري التّقدّم لا الأرقام. لا يمكنك تزييف التّقدّم إذا كان الجميع يشاهده لحظةً بلحظةٍ".
إنّه النّظام الصّامت الذي يُلزم روّاد الأعمال بإظهار صورةٍ من الكمال والجاهزيّة، والّذي أراد سانتيان كسره تماماً، إذ يقول: "ذلك الضّغط هو ما يدفع الكثير من المؤسّسين في منطقتنا إلى تزيين رواياتهم؛ يشعرون أنّه عليهم ذلك. فتجد كلّ شيءٍ مصقولاً، العروض مليئةً بالتّفاؤل المبالغ، ويتحوّل الأمر إلى لعبة خداعٍ جماعيّةٍ. والنتيجة؟ بعضهم يحصل على زخمٍ مبكّرٍ، لكن كثيرون يصمتون فجأةً. رأيت كيف تنتهي الأمور... شركات تُغلق بهدوءٍ، مؤسّسون يختفون. لا أحد يتحدّث عن هذا، لكنّه شائعٌ. وترك في نفسي أثراً عميقاً".
ولهذا، قرّر مع ميتال سلك مسارٍ مختلفٍ تماماً في رحلتهما الجديدة. في أوكتا، إذ قال: "اتخذنا قراراً واعياً. لن ندّعي أنّنا نعرف كلّ شيءٍ. نحن مبرمجون، ولم نأتِ من خلفيةٍ ماليّةٍ، وهذا بالضّبط ما جعلنا نرى المشكلة. وجهة نظرنا من الخارج، ومنهجنا القائم على المبادئ الأولى، هما ما يدفعاننا للأمام. ونريد أن يرى النّاس هذا بشكلٍ مباشرٍ. يعني ذلك أنّنا سنشارك ما نتعلّمه، ما ينكسر، ما لا نفهمه، الأجزاء البطيئة، المحيّرة، أو الّتي تنهار كليّاً." وتابع: "إذا كان هناك من سيدعمنا، أو ينضمّ إلينا، أو حتى يتابع رحلتنا فقط، فعليه أن يرى النّسخة الحقيقيّة من هذه المغامرة، لا النّسخة الصّالحة للعروض، بل تلك التي نعيشها يوماً بيومٍ".
ويرى سانتيان أن البناء في العلن ليس مجرّد ظهورٍ خارجيٍّ، بل وسيلة عمليّة للتّركيز والانضباط: "لست أفعل هذا لمجرّد الموضة أو التّفاخر بالشّفافيّة، إذ هناك سببٌ أعمق. أوّلاً: هذا يُبقيني وفريقي على الأرض، ويحمّلنا مسؤوليّةً دائمةً. واقعيّاً، هذه هي الفرصة الوحيدة أمام أمثالي. أنا لم أولد في المنطقة، ولا أنتمي إليها في الأصل. لم أنشأ على نفس القدر من الوصول أو العلاقات كغيري. استغرق الأمر مني عشرين عاماً لأصل إلى هنا، ولأحظى بفرصة الرّيادة. لا نملك رفاهيّة الاختباء خلف الإشارات الزّائفة؛ لذلك نُظهر ما يمكننا فعله".
ويُكمل بابتسامةٍ ساخرةٍ: "قد يبدو هذا كلّه مثاليّاً أو حتّى عاطفيّاً، أعلم ذلك. لكن جزءاً من الهدف أنّنا لا نفعل هذا لأجلنا فقط، بل نريد أن نكون جزءاً من بناء منظومةٍ أفضل للجيل القادم من المؤسّسين في هذه المنطقة... أريد أن أكون جزءاً من الحلّ، أن أُلهِم، أن أُرسّخ معياراً جديداً، نُصلح به النّظام لا أن نخضع له".
ويبدو أنّ هذه الرّؤية بدأت بالفعل تؤتي ثمارها، إذ يقول سانتيان: "ستُدهش من عدد المؤسّسين الذين اتّبعوا نفس نهجنا ثم جمعوا تمويلاً، أو جذبوا عملاء، أو كسبوا تفاعلاً أعمق من المستثمرين؛ إنّه يرفع السّقف لنا جميعاً، ويُسهّل التّمييز بين الصّادقين والمزيّفين في النّظام".
شاهد أيضاً: 3 أمور عليك النظر فيها قبل تأسيس أوّل عملٍ لك
ومن أبرز ثمار هذه الاستراتيجيّة، يضيف سانتيان، هو ما تولّده من ثقةٍ حقيقيّةٍ: "حين يرى النّاس العمل الفعليّ، وليس مجرّد العناوين، يدركون أنّك جادٌّ. لست بحاجةٍ لخطابٍ تسويقيٍّ صارمٍ؛ فالتّحديثات تقوم بذلك عنك. كما أنّ هذا النّمط في المشاركة المتواصلة يخلق زخماً ذاتيّاً: أصبح البناء في العلن محرّكاً للنّموّ. يجذب إلينا العملاء والمستثمرين والموظّفين والشّركاء. بعضهم استثمر فقط من خلال متابعتنا، دون أن نرسل لهم عرضاً تقديميّاً واحداً. هكذا تصنع الاستمرارية الثّقة".
ومع أنّ لهذا النّهج مخاطر واضحةً، إلّا أنّ سانتيان لا يخشاها: "لا أشعر أن عليّ تزييف المظاهر. حين تبدأ باهتمامك بكيف سينظر النّاس إليك، فأنت قد خسرت أصلًا. ليس لأن الانطباع غير مهمٍّ، بل لأنك إن كنت تبني شيئاً أكبر من نفسك، فلا يمكنك أن تقرّر بناءك بناءً على تفاعل لينكدإن؛ فهذا استعراضيٌّ، وليس تقدّماً حقيقيّاً".
ويؤمن سانتيان بأن ما يستحقّ النّشر ليس فقط الإنجازات، بل "الفوضى الجميلة". ويضيف: "يقلق الكثير من المؤسّسين من أن مشاركاتهم قد تكون مبكّرةً جدّاً، أو صغيرةً، أو غير مهمّةٍ. ولكن غالباً ما تكون القيمة الحقيقية هناك: في الاختبارات الأولى، والأخطاء، والأدوات العجيبة، والافتراضات الّتي نكسرها".
معيار سانتيان بسيط: "إن كان الشّيء صادقاً، يستحقّ أن يُقال، وإن لامسني شخصيّاً موقفٌ نمرّ به، أو مشكلةٌ نحلّها، أو فكرةٌ تتكرّر في أحاديثي مع مؤسّسين آخرين، فسأشاركه؛ لأنّ ما يُحرّكني، على الأغلب يُحرّك غيري أيضاً".
وعند سؤاله عمّا إذا كان يندم على هذه الطّريقة، أجاب بحزمٍ: "يظنّها البعض مضيعةً للوقت، لكنّها عكس ذلك تماماً. تُولّد زخماً، وتُبقي الفريق مشتعِلاً بالحماس، وتبني ثقةً حقيقيّةً. لا ندم إطلاقاً. كل منشور يُشكّل جزءاً من الأثر... وإذا أراد أحدهم يوماً أن يعرف كيف بنينا هذه الشّركة، يجب أن يجد الأثر واضحاً".
في منطقةٍ لا تزال تفضّل القصص المجمّلة والشّرائح المتقنة، يبقى نهج سانتيان تحدّيّاً صامتاً للمنظومة؛ إنه لا يُسجِّل الرّحلة فحسب، بل يُعيد تعريف معنى التّقدّم. ويختم قائلاً: "سواء اتّفقت أو اختلفت، أو كانت لديك رؤيتك الخاصّة، مجرّد أنك فكّرت فيما نشاركه، فهذا يعني أنّه نجح".
من مؤسس إلى مؤسس: نصائح سانتيان لبناء شركتك في العلن
- ابدأ قبل أن تشعر بأنّك جاهزٌ، واستمرّ بوتيرتك الخاصّة: لستَ بحاجةٍ للنّشر اليوميّ. فقط كن ثابتاً لتترك أثراً، وابدأ بمشاركة شيءٍ واحدٍ أسبوعيّاً، لا يكون إنجازاً، بل لحظة حقيقيّة: ملاحظة من مكالمة مع عميل، خطأ تقني، تحديث صغير أو فكرة تغيّرت.
- اجعل المشاركة جزءاً من روتينك: أي شيءّ تتحدّث عنه مع شريكك المؤسّس، هو محتوى جاهزٌ للنّشر.
- أظهِر البناء، لا الإطلاق فقط: لا يتواصل النّاس مع الكمال، بل مع التّقدّم؛ فصورةٌ أوليّةٌ من Figma، أو لقطة شاشةٍ مع شرح، هذه علامات الحراك الحقيقيّ.
- اجعلها إنسانيّةً: الأمر ليس حبكةً روائيّةً. فقط قُل الحقيقة ببساطةٍ: فقرةٌ واحدةٌ بصوتك الحقيقيّ، صورةٌ واحدةٌ، جملةٌ صادقةٌ، قد تكون أقوى من سلسلة تغريداتٍ مصقولةٍ.
- اطلب آراء الآخرين: إن تفاعل أحدٌ مع منشورك، اسأله عن رأيه. ما الذي لفت نظره؟ ما الذي كان ينقص؟ كيف يمكن تحسينه؟
- وأخيراً: كن طيّباً مع نفسك: أنت تبني شيئاً من لا شيءٍ، وهذا وحده إنجازٌ استثنائيٌّ. ستُختبر على نحوٍ لم تُختبره من قبل. الأمر وحيد، لكنّه لا يجب أن يكون كذلك، فشارك الرحلة، وافتح الباب للنّاس. لست مضطرّاً لأن تملك كلّ الإجابات، فقط الشّجاعة لتُكمل الطّريق.