الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية: دوافعها وتطوراتها
على مدار الشهر الماضي، تجمّع المتظاهرون فيما لا يقلّ عن 72 جامعة أمريكية للاحتجاج على حرب إسرائيل ضدّ قطاع غزة، فما هي مطالبهم وما الذي حقّقوه حتى الآن؟
هذا المقال متوفّر أيضاً باللغة الإنجليزية هنا
على مدار الشّهر الماضي، شهدت الجامعات الأمريكيّة من السّاحلِ الشّرقي إلى السّاحلِ الغربي موجةً من الاحتجاجات، تعبيراً عن التّضامن مع الشّعب الفلسطينيِّ. إذ توافدَ الطّلاب إلى السّاحات الجامعيّة، وأقاموا معسكراتٍ مؤقّتةً للضّغط على إدارات الجامعات لقطع العلاقات الماليّةِ مع إسرائيل. وركّزتِ الاحتجاجاتُ على الهبّات الجامعيّة الضّخمةِ التي تموّلُ جوانبَ عديدةً من حياةِ الجامعاتِ، بدءاً من المساعداتِ الماليّةِ للطّلابِ وصولاً إلى بناءِ المباني الجديدة.
مطالب الطّلاب
يطالبُ المحتجونَ بأن تكونَ جامعاتُهم شفّافةً في مصادرِ تمويلها وأن تكشفَ عن استثماراتها في الشّركاتِ التي تدعمُ الحربَ على غزة، ومن ثم تصفيةِ هذه الاستثمارات. فعلى سبيل المثال، قدّم المحتجّون في جامعة كولومبيا قائمةً بأسماء الشّركات المُستهدفة، بما في ذلك غوغل وأمازون وAirbnb.
وفي جامعاتٍ أخرى، استهدفَ المحتجّونَ شركات الدّفاع ومصنّعي الأسلحة، بينما يطالبُ المتظاهرون في جامعة كورنيل بسحبِ الاستثماراتِ من شركاتٍ مثل بوينغ ولوكهيد مارتن.
العنف وسيلة لقمع المعسكرات
اعتُقلَ أكثر من 3000 شخصٍ خلال الاحتجاجات المُؤيّدة للفلسطينيين فيما لا يقلُّ عن 61 كليةٍ وجامعةٍ الشهر الماضي. واندلعت الاحتجاجاتُ في جامعةِ كولومبيا بنيويورك في 17 أبريل، عندما نصبَ الطّلابُ خياماً وسط الحرم الجامعيّ للتّعبير عن دعمهم للفلسطينيين في غزّة. وتدخّلتِ الشّرطة لتفكيك المعسكرات، وأخرجت المحتجين بالقوّة من المباني الأكاديميّة، ممّا أثارَ موجةً أوسعَ من الاحتجاجاتِ بين الطّلاب والأكاديميّين. [1] [2]
أمّا في لوس أنجلوس، فقد شهدت الاحتجاجاتُ تصاعداً في أعمال العنف، حيثُ أطلقَ المعارضون لها الألعاب النّاريّة واستخدموا الموادَ الكيميائيّة لتفريق المُتظاهرين المُؤيّدين للفلسطينيين محاولينَ هدم الألواح الخشبيّة والحواجز المعدنيّة. كما تعرّضَ العديدُ من المحتجّينَ للاعتداء بالضّرب وهم على الأرض، فيما أفادت الصّحيفةُ الطّلابيةُ في الجامعة بأنّ "المئات" من المعتقلينَ كانوا من الطّلاب وأعضاءِ هيئةِ التّدريس. وقعت هذهِ المداهمةُ بعد أن شهدت جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس بعضاً من أسوأ أعمالِ العنفِ التي صاحبت الاحتجاجاتِ. [3]
وصرّحَ أحدُ الطلابِ، وهو عضوٌ في UC Divest Coalition "تحالفُ نزعِ الاستثماراتِ في جامعةِ كاليفورنيا" و Students for Justice in Palestine encampment at UCLA "طلابٌ من أجلِ العدالة في فلسطين في جامعة كاليفورنيا"، والذي شهدَ الاشتباكاتِ وأعمالَ العنفِ، قائلاً: "لم أعدْ أشعرُ بالأمانِ في الحرم الجامعيِّ. وأشعرُ بصدمةٍ عميقةٍ وخيبةِ أملٍ وغضبٍ لا يوصفان. تجاهلتِ الشّرطةُ وإدارةُ الجامعةِ مطالبَنا وسمحت بحدوثِ ذلكَ، إنّه لأمرٌ مثيرٌ للاشمئزازِ. كيفَ يمكنُ لرئيس الجامعةِ أن يسمحَ بساعاتٍ من الهجماتِ الوحشيّةِ على الطّلابِ في ظلِّ إدارتِه؟ أعتقدُ أنّهم تعمّدوا تركَ الأمورِ تخرجُ عن نطاقِ السّيطرة كتكتيكٍ لاستدعاء الشّرطة للتّخلصِ منّا". وقد أدلى الطّالبُ بهذه التّصريحاتِ لمجلة عربية .Inc بشرطِ عدم الكشف عن هويّتِه.
لم تشفع للأساتذة مناصبُهم
أعلنَ اتّحادُ العمّالِ الأكاديميّين في نظام جامعة كاليفورنيا عن إضرابٍ مستمرٍّ حتّى نهاية يونيو احتجاجاً على طريقة تعامل الإدارة مع المظاهراتِ المُؤيّدة للفلسطينيين. وقد تزامنَ هذا الإعلانُ مع إدلاءِ رئيس جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، جين د. بلوك، بشهادته أمام الكونغرس بشأنِ الهجومِ العنيفِ الذي نفّذهُ معارضونَ على معسكرِ المحتجّين في الحرم الجامعيِّ الشّهر الماضي. [4]
يشملُ الإضرابُ حوالي 2000 مساعدِ تدريسٍ ومعلّمينَ وباحثينَ، معبّرينَ عن رفضِهم للسّياساتِ المتّبعةِ وللمطالبةِ بمعالجةٍ عادلةٍ وشفّافةٍ للمظاهرات والاحتجاجات.
المقاطعة وسحب الاستثمارات ليستا شيئاً مستحدثاً
في عام 2005، اجتمعت 170 مجموعةً من المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ لإطلاقِ نداءٍ للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، [5] نتيجةَ المخاوف المتزايدة بشأن الحصار طويل الأمدِ الذي تفرضهُ إسرائيل على غزة واحتلالها العسكريّ للضّفة الغربيّة وقطّاع غزة. وهو نداءٌ تبنّتهُ لاحقاً العديدُ من المنظمات الطّلابية والجمعيّات الأكاديميّة. [6] [7]
هل نجحت عملية سحب الاستثمارات من قبل؟
في السّبعينيات والثّمانينيات، نجحَ الطلابُ في جامعة كولومبيا وغيرها في الضّغط على الإدارات لبيعِ استثماراتها في الشّركات التي تتعاملُ مع جنوب أفريقيا بسببِ سياساتِ الفصلِ العنصريّ. ومنذُ العقد الثّاني من القرن الحاليّ، نجحَ الطّلابُ في دفعِ بعضِ الجامعاتِ لسحبِ استثماراتِها من شركاتِ الوقود الأحفوريّ، مثل جامعة سيراكيوز. [8]
ماذا حقّق الطّلاب حتى الآن؟
صوّتَ طلابُ جامعةِ كولومبيا على قرار سحب استثمارات الجامعة من إسرائيل، وإغلاق المركز الأكاديميِ المُخطّطِ له في تل أبيب، وإنهاءِ برنامجِ الشّهادة المزدوجة مع جامعة تل أبيب. وكانت النّتيجةُ تأييدَ 76.5% من الطّلاب لسحبِ الاستثماراتِ، في حين عارضهُ 9.8% فقط. [9]
وفي نيويورك، أقرَّ مجلسُ أمناء كلية الاتّحاد اللّاهوتية خطّةً لسحبِ استثماراتها من الشّركاتِ التي تستفيدُ من الحرب في فلسطين/إسرائيل. كما وافق مديرو جامعة ولاية بورتلاند على إنهاء علاقتها مع شركة بوينغ، وهي شركة مقاولاتٍ عسكريّةٍ ومصنّعة للطّائراتِ المدنيةِ. [10]
وأعلنت جامعةُ نورث وسترن في نصِّ اتّفاقِها مع المتظاهرينَ أنّها "ستجيبُ على أسئلة أيِّ صاحبِ مصلحةٍ داخليٍّ حول ممتلكاتٍ مُحدّدةٍ بقدر ما تعلمُ وبقدرِ ما تسمحُ به القوانين". [11]
أمّا في جامعة كاليفورنيا، فقد أعربَ أحدُ المتظاهرينَ عن استيائهِ قائلاً إن إدارةَ الجامعةِ لم تتفاوض على مطالبهم ولم تقدم أيَّ تنازلاتٍ. وأضافَ: "هناك شعورٌ بعدمِ الأمانِ في الحرم الجامعيّ الآن، خاصةً لأيّ شخصٍ يرتدي رمزاً للتضامنِ مثل الوشاح الفلسطينيّ، الكوفيةِ. الأمرُ لا يتعلّقُ فقط بدعمنا لفلسطين، بل يمتدُّ إلى الأشخاص الملوّنين أيضاً، إنّهُ مخيفٌ كيفَ يشعرُ كلُّ شخصٍ مختلفٍ بأنّهُ مستهدفٌ".
ولم يكن هذا أكثرَ الأمورِ رعباً، حيثُ أوضحَت المتظاهرة قائلةً: "واجهَ الكثيرُ من زملائي في المخيّم مشاكل كبيرةً، فاُعتقل بعضُهم، وسُحبتْ عروضُ العمل التي حصلوا عليها من مكاتب المحاماة من بعضهم الآخر، وفقد آخرون وظائفَهم. الظّلمُ هنا واضحٌ للغاية".
ورغمَ كلِّ ذلك، لم تندمِ المتظاهرةُ على موقفها وأكّدت أنّها ستستمرُّ في الاحتجاج السّلميّ حتّى تسمع الجامعةُ صوتَها وتُقرّرَ سحبَ الاستثماراتِ. وقالت: "أنا ابنةُ عائلةٍ مهاجرةٍ، وهم يشعرون أنّني أعرّضُ نفسي للخطرِ، وهذا صحيحٌ، لكن إذا لم أفعل ذلك، فمن سيفعل؟"