الرئيسية الريادة كيف تُكوّن مناقشات مثمرة بتبنّي قاعدة الجدال من أجل التعلم؟

كيف تُكوّن مناقشات مثمرة بتبنّي قاعدة الجدال من أجل التعلم؟

تُشير الدراسات إلى ضرورة المناقشة بهدف التعلم وليس بهدف الفوز، ممّا يضمن الفائدة لجميع المشاركين في الجدال.

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

بقلم Nick Hobson، المدير الإداري في أمريكا الشماليَّة لاستشارية العلم السلوكي Influence At Work

هناك موضوعاتٌ معيّنةٌ نعلم أنَّها ستؤدِّي دائماً إلى جدالٍ حادٍّ، وعندما يتعلَّق الأمر بهذه القضايا السَّاخنة، قد تعتقدُ أنَّ خصومكَ ليسوا مخطئين فحسب، بل إنَّ مجرَّد التَّفكير في آرائهم يبدو غير صحيحٍ إلى حدٍّ كبيرٍ، وبطبيعة الحال، فإنَّ الشَّخص الآخر يُفكِّر بنفس الطَّريقة عنك وعن رأيك. [1]  

يبدو أنَّ هذا أخذٌ وردٌّ لا مفرَّ منه في العديد من القضايا المثيرة للجدل، ولكن وفقاً لبحثٍ حديثٍ نشره في مجلة Cognitive Science باحثون في جامعة ييل، لا ينبغي أن يكونَ الحال بهذا الشَّكل، ويرى الباحثون أنَّ قبولنا الذي لا جدال فيه لمواقفنا الخاصَّة وعدم رؤية آراء الآخرين لا يجب أن يكونَ سمةً ضروريَّةً للمحادثات الصَّعبة، بشرط أن يتبنَّى المرء العقليَّة الصَّحيحة.

إنَّ التَّعامل مع الجدال كمسعىً تعاونيٍّ، حيث يكون هدف الفرد هو التَّعلُّم والخروج من النِّقاش برأيٍّ موضوعيٍّ، بدلاً من التَّنافس على الفوز، له تأثيرٌ مباشرٌ في جعل الشَّخص أكثر انفتاحاً للقبول بآراء أولئك الَّذين لا يتَّفقون معهم.

شاهد أيضاً: نمطان من التفكير يُحددان قوة إرادتك: أيّهما ينطبق عليك؟

الجدال من أجل الفوز مقابل الجدال من أجل التعلم

درس ماثيو فيشر Matthew Fisher وزملاؤه في مقالهم كيفيَّة تفكير النَّاس في القضايا الخلافيَّة لمعرفة كيف يُمكن جعل المرء أكثر انفتاحاً تجاه الآراء المتباينة، وقد بدؤوا بمناقشة التفكير المنطقي الاجتماعي، الذي يبدو أنَّه يأتي في شكلين رئيسيّين، الأوَّل: هو النَّوع الذي تحاول فيه أنت وزملاؤك بشكلٍ جماعيٍّ حلَّ مشكلةٍ من خلال إجابةٍ محدَّدةٍ تكون إمَّا صحيحةً وإمَّا خاطئةً ولا تحتمل النِّقاش. والنَّوع الثَّاني والأكثر أهميَّةً من التفكير المنطقي الاجتماعيّ، بالنَّظر إلى هدفنا، هو الجدال، وهنا، نبدأ بوجهات النَّظر المتعارضة حول قضيّةٍ ما، ونقدِّم الحجج لصالح الجانب الذي نؤمن به، وفي عمليَّة الجدال هذه تلعب العقليَّات دوراً حاسماً.

بمجرَّد تنشيط العقليَّة، يصبح من الأسهل بكثيرٍ تطبيق أدوات تلك العقليَّة على المهمَّة التي بين يديك، ولجعل هذا الأمر أكثر واقعيَّةً حدَّد فيشر وزملاؤه عقليتين رئيسيّتين مرتبطتين بالحجج: 

  • الجدال من أجل التَّعلُّم: في عقليَّة الجدال من أجل التعلم (ATL)، أنت تُركِّز على المحاولة الجادَّة للتَّعاون مع من يحاورك لفهم واكتشاف المزيد حول الموضوع المطروح، ما هو ذو أهميَّةٍ مركزيَّةٍ بالنِّسبة لك في عقليَّة ATL هو التَّعلُّم والتَّوصُّل إلى معالجةٍ أكثر موضوعيَّة ودقَّة بشأن مشكلةٍ ما، وتشير الأبحاث السَّابقة إلى أنَّ عقليَّةَ ATL فعَّالةٌ أيضاً في زيادة فهم الفرد لموضوعٍ ما، ومن المرجَّح أن يحدثَ ذلك عندما يكون الجدال ثنائيَّاً فقط وفي بيئةٍ وديَّةٍ.
  • الجدال من أجل الفوز: على النَّقيض من عقليَّة الجدال من أجل التعلم، نجد عقليَّة الجدال من أجل الفوز (ATW)، إذ إنّ في عقليَّة ATW، تركيزك الوحيد هو الفوز بالحجَّة، بغضِّ النَّظر عن التَّكلفة أو المغالطات المنطقيَّة التي تتعارض، فتعلُّم المزيد أو زيادة فهمك للمسألة لا يهمَّك هنا، علاوةً على ذلك، أنت لا تنظر إلى مُحاورك كرفيقٍ في سعيك الصَّادق نحو الحقيقة، بل كعدوٍّ ينبغي ألّا يُرحم، وعلى عكس عقليَّة ATL، من المرجَّح أن تظهرَ عقليَّة الجدال من أجل الفوز عند الجدال في الأماكن العامَّة، كما لو أنَّ شرف المرء يعتمد على التَّفوُّق على الشَّخص الآخر.

هذا هو محور السُّؤال البحثيّ المركزيّ لفيشر: هل تؤدِّي عقليَّة المرء في الجدال إلى اختلافاتٍ فيما إذا كان يعتقد بوجود حقيقةٍ موضوعيَّةٍ واحدةٍ لهذه القضيَّة، وبالتَّالي إن كان سيتقبَّل آراء مختلفةً حول هذه القضيَّة؟ افترض فيشر وزملاؤه أنَّه عندما يتبنَّى شخصٌ ما عقليَّة الجدال من أجل الفوز، فمن المرجَّح أن يتَّبع المذهب الموضوعيّ (الذي يركِّز على الموضوع الواحد بشدِّة) بشأن هذه القضيَّة، وبالتَّالي أكثر تعصُّباً تجاه الآراء الأخرى.

شاهد أيضاً: 6 استراتيجيات تمكنك من تركيز تفكيرك على القضايا الهامة

كيف درسوها؟

هل يمكن أن تؤثِّر كيفيَّة تعاملنا في الجدال على كيفيَّة فهمنا لحقيقة قضيةٍ ما، فتغيُّرها؟ لمعرفة ذلك، طلب فيشر وزملاؤه من المشاركين التَّفاعل في غرفة دردشةٍ عبر الإنترنت حول مجموعةٍ متنوِّعةٍ من القضايا المثيرة للجدل، وعند وصولهم إلى المختبر، تمَّ إعطاء المشاركين مجموعةً مختارةً من المواضيع المثيرة للجدل التي يحتاجون إلى تحديد موقفهم بشأنها. وقد دقَّقوا في هذه المواضيع مسبقاً للتَّأكُّد من أنَّها تؤدِّي غالباً إلى نقاشٍ ساخنٍ في ظلِّ الظُّروف العاديَّة، مثل: واقع تغيُّر المناخ، أو الفجوة في الأجور بين الرِّجال والنِّساء، وبمجرَّد الانتهاء من ذلك، قسَّم القائمون على التَّجربة المشاركين إلى فِرَقٍ ثنائيَّةٍ، حيث اتَّخذ كلُّ مشاركٍ موقفاً معارضاً لشريكه بشأن ثلاث قضايا على الأقلِّ للتَّأكُّد من أنَّ الاثنين لن يتفقا مع بعضهما بعضاً ببساطةٍ.

هنا، تمَّ تقسيم المشاركين إلى حالتين: حالة "تعاونيَّة"، حيث تمَّ تشجيعهم على تبنِّي عقليَّة ATL، وحالةٍ "تنافسيَّة"؛ حيث تمَّ تشجيعهم على تبنِّي عقليَّة  ATW. في الحالة التَّنافسيَّة، قيل للمشاركين أنَّهم سيحتاجون إلى تبرير موقفهم بشأن ثلاث قضايا لِمشاركٍ لديه موقفٌ قويٌّ بشأن كلِّ قضيةٍ.

بعد ذلك، يُقدّم أحد المشرفين في غرفة الدَّردشة عبر الإنترنت الموضوع الذي سيناقشه المشاركون، مع التَّأكُّد من بقاء المشاركين في نفس الموضوع، وتمَّ منح كلِّ حالةٍ مدَّةً أقصاها أربع دقائق لمناقشة الموضوع.

وكما هو متوقّعٌ، وجدوا دعماً لفرضيتهم الرَّئيسيَّة، وعندما تعامل المشاركون مع الجدال باعتباره تبادل أفكارٍ تعاونيَّاً يهدف إلى تسهيل التَّعلُّم وعمق الفهم، (أيّ التَّعامل معها بعقليَّة ATL)، كان احتمال اعتقادهم بوجود حقيقةٍ موضوعيَّةٍ واحدةٍ للقضيَّة المطروحة أقلّ، ولكن عندما تبنَّى المشاركون عقليَّة الجدال من أجل الفوز، حيث كان هدفهم الرَّئيسيّ هو الفوز بالحجَّة بدلاً من التَّعلُّم، كانوا أكثر عرضةً للاعتقاد بوجود حقيقةٍ واحدةٍ لهذه القضيَّة، وبالتَّالي كانوا أقلَّ احتمالاً لقبول الآراء التي تخالف آراءهم.

كمتابَعةٍ للبحث، وجد فيشر وزملاؤه أنَّ نقطة البداية الطَّبيعيَّة للنَّاس، دون إعطائهم أيَّ نوعٍ من المحفِّزات العقليَّة، لا يمكن تمييزها عن حالة المنافسة (أيّ عقليَّة الجدال من أجل الفوز)، وهذا يعني أنَّ وجهة نظر النَّاس الافتراضيَّة بشأن القضايا الخلافيَّة هي أنَّ هناك حقيقةٌ موضوعيَّةٌ واحدةٌ لهذه القضيَّة، وقد يبدو أنَّهم يتبنّون تلقائيَّاً عقليَّة الجدال من أجل الفوز.

شاهد أيضاً: درس في المنافسة.. بأربع كلمات ردّ Musk على طموحات Bezos في مجال الفضاء

التفاهم والنقاش في نفس الموضوع

غالباً ما تتعارض الحجج الخلافيَّة مع القاعدة التي تنصُّ على أنَّ المحاورَين يجب أن يتجادلا دوماً حول نفس الشَّيء، وإلَّا سينتهي الأمر بهما إلى التَّحدُّث في مواضيع مختلفة، وفي بعض الأحيان لا يكون الأمر أنَّهما يختلفان في الرَّأي، ولكنَّهما ببساطةٍ لا يستطيعان ملاحظة أنَّهما يتحدَّثان فعلاً عن موضوعين مختلفين، وقد يكون هذا هو الحال مع عقليتي الجدال من أجل الفوز والجدال من أجل التعلم، حيث قد تحاول أن تتعلَّمَ قدر المستطاع من المناقشة، ولكن قد يكون زميلكَ أكثر اهتماماً بمجرَّد الفوز في الجدال دون ذرَّةٍ من التَّفكير في تعلُّم أيّ شيءٍ.

ونتيجة لذلك، قد يبدو أنَّ النِّقاش يفيد شخصاً واحداً فقط، أو ببساطةٍ يترك آراء دون تغيّيرٍ وقد كان ينبغي أن تتغيَّر، وبالتَّالي، سيكون من المفيد لجميع المشاركين في مثل هذه المناقشات أن تلمِّحَ بذكاءٍ إلى أنَّك لست هنا "للفوز" بأيّ شيءٍ، ولكن فقط لفهم وتعلُّم أكبر قدرٍ ممكنٍ عن القضيَّة، وقد يساعد القيام بذلك في جعل خصمك يتبنَّى عقليَّة الجدال من أجل التَّعلُّم لجعله أقلَّ تعصُّباً للموضوع وأكثر استعداداً لسماع آراء أُخرى حول هذا الأمر.

لمزيدٍ من النصائح في عالم المال والأعمال، تابع قناتنا على واتساب.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: