الرئيسية التنمية كيف أتقن ثلاثة مؤسسين من المنطقة فن التواصل مع الفرق عن بعد؟

كيف أتقن ثلاثة مؤسسين من المنطقة فن التواصل مع الفرق عن بعد؟

يغزل روّاد (Silkhaus)، (Ginni AI) و (Letswork) حبالًا خفيّةً تربط فرقهم الموزّعة عبر القارّات؛ فينطفئ صخب الإشعارات، وتبقى شعلة الإبداع متّقدةً، لتثبت أنّ التّواصل الذكيّ هو أبلغ أدوات القيادة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

في عالم الشّركات النّاشئة سريع الإيقاع، تغدو طريقة تواصل الفرق مع بعضها مفتاحاً لبناء ثقافة الشّركة أو هدمها. فيحاول المؤسّسون الموازنة بين مسؤوليّاتٍ لا تحصى، وتؤثّر طريقة تواصلهم مع فرقهم على كلّ شيءٍ: من معدّل الإنتاجيّة حتّى أعماق المعنويّات. 

ومع ذلك، لا يكون إيجاد النّغمة المناسبة في التّواصل مسألةً سهلةً دوماً؛ خصوصاً في عصر الرّسائل الفوريّة والإشعارات الّتي لا تتوقّف، وضبابيّة الحدود بين العمل والحياة. 

فكيف يستطيع القادة أن يضمنوا بقاءهم على اتّصالٍ بفرقهم دون أن يثقلوا عليهم بوابلٍ من محاولات التّواصل؟ 

في "عربيّة .Inc"، توجّهنا إلى قادة الشّركات النّاشئة في مناطق الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا: "سيلكهاوس" (Silkhaus)، و"جيني إي آي" (Ginni AI)، و"ليتسوورك" (Letswork)، لنكشف كيف يبسّطون التّواصل مع فرقهم، دون أن يلقوا عليهم أعباء الإرهاق والاستنزاف. 

تتميّز هذه الشّركات، فضلاً عن توزّع فرقها على دولٍ ومناطق زمنيّةٍ شتّى، بأنّ غالبيّة أعضائها يعملون عن بعدٍ أو ضمن أنظمةٍ هجينةٍ، ممّا يفرض عليهم تحرّي الدّقّة في اختيار الأدوات ووضع الآليّات الّتي تخدم تواصلهم وترفع فعّاليّتهم. وهكذا يشيّدون بيئة عملٍ تعلّي من قيم الوضوح والتّعاون والرّفاه، حتّى وإن لم يجمعهم سقفٌ واحدٌ. 

مي مدحت: المؤسّسة والرّئيسة التّنفيذيّة لشركة Ginni AI 

كيف أتقن ثلاثة مؤسسين من المنطقة فن التواصل مع الفرق عن بعد؟

في "جيني إي آي"، تتجسّد تحدّيات إدارة الفرق وتعظيم الإنتاجيّة واحترام الحدود الشّخصيّة، في مركز النّظام كلّه. تساعد هذه الشّركة النّاشئة، والّتي تركز على تقديم حلول الذّكاء الاصطناعيّ لشركات البرمجيّات (SaaS)، في تعزيز المبيعات وإعطاء أدوات التّدريب والتّحسين وبناء الاستراتيجيّة. 

أسّست مي مدحت "جيني إي آي" بعد أن كانت قد أطلقت قبل ذلك "إيفنتس" (Eventtus) في القاهرة ودبي، قبل أن تستحوذ عليها منصّة "بيفي" (Bevy) في 2021. 

تبني "جيني إي آي" نظامها على فلسفة "العمل عن بعدٍ" في المقام الأوّل؛ فتنتشر فرقها بين مصر والإمارات والولايات المتّحدة والهند. 

لدى مي مدحت، الّتي أسّست "جيني إي آي" في 2024، وتمتلك خبرةً تفوق 12 عاماً في الشّركات النّاشئة، يعتبر التّواصل الفعّال عماد الشّركة وقاعدة بنائها، وليس ترفاً ثانويّاً. 

تصرّح مي مدحت أنّ "جيني إي آي" وضعت مبادئاً واضحةً للتّواصل الدّاخليّ؛ حتّى يستوعب كلّ عضوٍ ما يطلب منه دون إبهامٍ أو تضييعٍ للوقت. فيستعمل الفريق منصّة "سلاك" (Slack) في التّواصل اليوميّ، ويعتمد تطبيق "نوشن" (Notion) للتّوثيق وتنظيم كلّ معلومةٍ وسجلٍّ. 

تقول مي: "نستخدم سلاك لجميع أنواع التّواصل، ومنذ البداية وضعنا قواعد معيّنةً لتسهيل التّواصل (غير المتزامن)". "أموراً بسيطةً مثل تأكيد استلام الرّسالة، أو استخدام رموزٍ تعبيريّةٍ أو ردود فعلٍ لتأكيد الاستلام أو التّفاعل مع طلبٍ معيّنٍ. هي أمورٌ بسيطةٌ لكنّها قويّةٌ، تضمن أن يكون الجميع على نفس النّسق، وتوفّر كثيراً من الوقت الّذي يهدر في الرّدود المتبادلة". 

ولدرء كلّ لبسٍ محتمل، يعتمد الفريق قاعدةً ذهبيةً واضحة: "إذا طال النّقاش وتعدّت المراسلات بضعة رسائل، يبادرون مباشرةً إلى مكالمة سريعة لجلو الغموض وتوضيح المقصود". 

أمّا فيما يخصّ منصّة "نوشن"، فتراها مي بمثابة "مرجعيّة الحقيقة المطلقة" داخل الشّركة، وتلفت الانتباه إلى أنّه مع ازدياد حجم الأعمال، يحرص الفريق على حصر جميع عمليّات التّوثيق فيها لتكون المصدر الشّامل والموحّد للمعرفة. 

وفي الواقع، تعزو مي مدحت التطوّر الملحوظ في فاعليّة التّواصل وكفاءة العمل داخل الفريق إلى هذين النّظامين الأساسيّين اللّذين وحّدا الإيقاع وسهّلا الإدارة. 

توضّح: "كلاهما ساهم في تبسيط سير العمل، وتقليل سوء الفهم، وتحسين الوضوح على مستوى الشّركة كلّها". 

وللحدّ من الضّجيج أكثر، يعتمد الفريق وسوماً مثل: "عاجلٌ"، "تعليقٌ"، "للمتابعة"؛ لتوضيح التّوقّعات وتجاوز صعوبات التّواصل غير اللّفظيّ. 

تشير مي: "يفتقر التّواصل الكتابيّ إلى الإشارات الطّبيعيّة الّتي تتوافر في التّواصل الوجه للوجه، لذلك هذه الوسوم تضيف سياقاً وتساعد في تجنّب سوء الفهم". 

وبصفتها رائدة أعمالٍ، أخذت مي مدحت الوقت لتجربة الأدوات والضّبط المناسب لضمان أن يعرف كلّ عضوٍ ما هو متوقّعٌ منه، وألّا يهدر الوقت في سوء التّفاهم، وأن يبقى دافعهم قويّاً. 

وقبل بضعة أشهرٍ، أقدم الفريق على تبنّي نظامٍ جديدٍ لاجتماعهم الأسبوعيّ الجامع، ترى فيه مي أنّه أضفى على تواصل الفريق عمقاً وإحاطةً أبعد ممّا تبلغه الرّسائل والمخاطبات.  

وتفصّل مي قائلةً: "نستهلّ هذا اللّقاء بالابتهاج بالإنجازات، ثمّ نشارك الدّروس المستفادة، ونخضع التّجارب للنّقاش، ونختم بتقديم التّحديثات". "وهكذا، يبقى الجميع على صفحةٍ واحدةٍ، وتتجذّر في الفريق ثقافة الشّفافيّة وروح الانفتاح".  

وتنعت مي هذا الاجتماع ب"أثمن ثلاثين دقيقةٍ" يمضيها الفريق في كلّ أسبوعٍ، مشيرةً إلى أنّه يجمعهم على الهدف، ويرسّخ فيهم ملكة الانتماء ومسؤوليّة الملكيّة، ويسرع وتيرة التّعلّم.  

وتضيف: "إنّ للوقت الحقيقيّ الّذي نقضيه مع الفريق قوّةً خارقةً؛ إذ يعزّز الثّقافة ويكشف الحقائق بصورةٍ يعجز عنها كلّ كلامٍ مكتوبٍ".  

وبالرّغم من مطالب الحياة في الشّركات النّاشئة، تعتقد مي مدحت، وهي أيضاً أمٌّ لتوأمٍ في سنّ السّنتين، بأنّ الموازنة بين الإبداع ومتطلّبات القيادة والحياة الأسريّة أمرٌ محوريٌّ، ولذلك تولي حدودها الشّخصيّة أهمّيّةً كبرى في التّواصل. 

تقول مي: "احترام أوقات الفريق أمرٌ جوهريٌّ لا مجال للتّساهل فيه". 

يعمل نظام سلاك على إسكات الإشعارات بصورةٍ تلقائيّةٍ بعد ساعات العمل، فيتيح للجميع الانفصال التّامّ والاستجمام. 

وأمّا عنّي، فإذا اضطررت إلى العمل في أوقاتٍ متأخّرةٍ أو أثناء عطلة نهاية الأسبوع، أتعمّد عدم ذكر أحدٍ بالاسم في رسائلي، ليطّلع كلٌّ منهم على التّحديثات حسب وقته وراحته. 

ومع ذلك، فإنّ الأيّام الأولى في حياة الشّركة كانت عاصفةً وممتلئةً بالفوضى والتّسارع، وهذا، في نظري، جزءٌ أصيلٌ من رونق التّجربة. 

سابين النّجّار: المديرة العامّة (المملكة العربية السّعوديّة) ونائبة الرّئيس للشّؤون التّجاريّة، شركة Silkhaus 

كيف أتقن ثلاثة مؤسسين من المنطقة فن التواصل مع الفرق عن بعد؟

"ثمّة دوماً أكثر من طريقةٍ واحدةٍ لتحقيق التّوازن بين الكفاءة واحترام الوقت الشّخصيّ". تقدّم سابين النّجّار، الرّئيسة التّجاريّة ومديرة الفرع المفتتح حديثاً في السّعوديّة، نظرةً أخرى مختلفةً إلى معادلة التّواصل والإنجاز. 

في "سيلكهاوس"، شركة تأجير العقارات قصيرة المدّة الّتي أسّست عام 2021 وتنتشر فرقها بين دبي وأبوظبي والرّياض وبنغالور، يبقى التّواصل المنظّم ضرورةً لا غنًى عنها، دون الإخلال بقيمة المرونة. 

تتّبع سيلكهاوس نظاماً هجيناً في العمل، ويبلغ عدد الموظّفين فيها حوالي 70 شخصاً، مع إتاحة خيار العمل عن بعدٍ وحتّى العمل من خارج البلاد لمن يرغب في ذلك. 

تقول سابين: "نؤمن بمنح الفريق قدراً وافراً من المرونة، مع ضمان أن يشعر كلّ عضوٍ بأنّه جزءٌ من مشروعٍ ذي قيمةٍ ومعنىً". 

وتضيف سابين أنّ الفريق في "سيلكهاوس" لا يترك أمر التّواصل للارتجال، بل يزاوج فيه بين الأتمتة، الاجتماعات المحكمة، والمراسلات الفوريّة، ليصنع منظومةً تحتفي بالكفاءة وتسمح بمرونة الرّوح. 

تفصّل قائلةً: "لقد أسّسنا نظام إدارة محتوًى يحدّث حالة المشاريع تلقائيّاً، فيبقى الجميع على اطّلاعٍ دائمٍ من غير حاجةٍ لمتابعاتٍ تستهلك الوقت أو تبدّد الجهد". 

وفي القضايا المعقّدة، لا يُكتفى بالنّصوص،بل يعقد الفريق اجتماعاً أسبوعيّاً عبر مكالمة فيديو تُفعَّل فيها الكاميرات، فترتفع المشاركة من الحضور الافتراضيّ إلى نبضٍ حيٍّ يثري النّقاشات ويشحذ الذّهن. 

ولئلّا تتوه الحوارات في التّشعّب أو تستغرق في التّفاصيل، وضعنا شرطاً: لا اجتماع إلّا بجدول أعمالٍ معلنٍ سلفاً، ليحضر كلّ فردٍ متهيّئاً وقادراً على الإضافة. 

وتشير سابين كذلك إلى أنّ البنية التّنظيميّة ونظام التّواصل في "سيلكهاوس" بُنيا ليكون لكلّ فردٍ دورٌ محدّدٌ ومسؤوليّةٌ جليّةٌ، وتوقّعاتٌ واضحةٌ تبدأ من رأس الهرم وتنساب حتّى القاعدة. 

وتقول: "كلّ قسمٍ يقوده قائدٌ يتقاطع مع بقيّة الفرق في مشاريع مشتركةٍ وتحدّياتٍ عابرةٍ للحدود. هؤلاء القادة يضمنون سلاسة التّنسيق، ويرصدون التّغييرات الجوهريّة ويعرفون بدّقّة إلى من يحال الأمر حين تقع مشكلةٌ". 

ثمّ تمضي قائلةً: "تلك هي النّظريّة المثاليّة؛ أمّا واقع الشّركات الّتي تتعامل مع العملاء وتسابق الزّمن، فقلّما ينقاد للقوالب الجامدة. إذا استدعى الأمر سرعةً، لجأنا إلى كلّ وسيلةٍ تجلب الجواب الأسرع: اتّصالٌ هاتفيٌّ، رسالة واتسابٍ، تنبيهٌ على سلاك، أو حتّى طرق باب أحدهم في المكتب. لم نبلغ الكمال بعد، ولكنّنا ألفنا أن نكسر القواعد عندما يستدعي الموقف، ويحدث أن تسود الفوضى، وذلك بعضٌ من طبيعة التّنمية السّريعة". 

وتتابع: "وبما أنّنا شركةٌ تقدّم خدماتها مباشرةً للعملاء وتحرص على ألّا تستنفد طاقة الفريق في الطّوارئ، وضعنا بروتوكولاتٍ واضحةً للتّصعيد والاستجابة للحالات الحرجة". 

وتختم مؤكّدةً: "إنّ الطّوارئ قدرٌ لا مفرّ منه، غير أنّنا لا نسمح بأن تكون هي القاعدة الحاكمة لبيئة عملنا. ففي سيلكهاوس، حيث نواجه شكاوى الضّيوف والطّلبات المستعجلة على مدار السّاعة، رسمنا طريقاً دقيقاً لمعالجة الأزمات عبر فريق العمليّات، حتّى تُحلّ القضايا دون أن يتعطّل النّظام أو تُنهك الرّوح". 

ترسّخ بروتوكولات التّصعيد الواضحة والأدوار المحدّدة في "سيلكهاوس" ثقافة الحسم، فكلّ طارئٍ يجد طريقه إلى الحلّ السّريع، من غير أن يتعطّل سير العمل أو يرهق أيّ فردٍ بما لا طاقة له به. هكذا ينجو الفريق من مستنقع الأعذار وتضييع السّاعات في متاهات المسؤوليّات غير المعرّفة. 

وتعمد الإدارة إلى تخصيص صباحي الثّلاثاء والخميس للعمل العميق؛ فلا اجتماعاتٌ تقاطع التّركيز، ولا رسائل تشعل ضجيج اليوم في بدايته. في هذا الصّمت المنهجيّ، يُتاح لكلّ فردٍ أن ينكبّ على جوهر مهمّته دون تشتّتٍ أو إملاء من أحدٍ. 

وتواجه الشّركة، مع كلّ قفزة نموٍّ، اختباراً جديداً لإدارة التّواصل بين الفرق المتباعدة في الجغرافيا والزّمن. 

تروي سابين أنّها حينما التحقت بـ"سيلكهاوس"، وجدت عالماً بسيطاً: الجميع في مكتبٍ واحدٍ، الكلمات قصيرةٌ، والفهم أسرع من البرق. 

ولكن ما إن اتّسعت الدّائرة، حتّى صارت كلّ درجة وضوحٍ تُكتسب بشقّ الأنفس، وصار لا بدّ من هندسة اللّغة وقنوات التّواصل بأناةٍ وصرامةٍ. 

وتؤكّد سابين: "حين بدأنا نعمل في مناطق متباينةٍ، وحين صار لبعضنا لغةٌ أمٌّ غير الأخرى، قرّرنا اعتماد الإنجليزيّة لغةً مركزيّةً، كي لا يبقى للّبس مكانٌ". وبعدما تفرّقت أماكن العمل، لم يبق مناصٌ من ابتكار آليّة تواصلٍ تحفظ للجميع حقّه في الاطّلاع والمشاركة. فأطلقنا اجتماعات تحديثٍ كلّ أسبوعين، بحضورٍ إلزاميٍّ حتّى عبر الشّاشات. 

في هذه اللّقاءات يتوزّع الخبر، وتُناقش التّحدّيات، وتدار المبادرات المشتركة بلا حواجز جغرافيّةٍ. ولا تكتفي "سيلكهاوس" بحلولٍ كلاسيكيّةٍ، بل تبني منظومة أدواتٍ دقيقةٍ: تستخدم Slack لتداول التّحديثات العاجلة، وتوظّف HubSpot لرسم مسارات العمل الدّقيقة وتوزيع الأولويّات، فيما يظلّ البريد الإلكترونيّ معبراً للنّقاشات العميقة والمشاريع الّتي لا يقوى عليها السّريع والمقتضب. 

وتحرص الإدارة على تحديث الحالات باستمرارٍ، كي لا يتحوّل سلاك إلى فخٍّ للرّدود الفوريّة الّتي تستنزف الأعصاب، وكي لا يدفع أحدٌ إلى حافّة الإنهاك بضغط السّرعة الدّائمة. 

وفي "هاب سبوت" (HubSpot)، يمنع تقدّم أيّ مهمّةٍ إلى مرحلةٍ تاليةٍ من دون استيفاء كلّ متطلّبٍ؛ فلا مكان لهفوات العجلة، ولا يعلو فوق النّظام أيّ استثناءٍ إلّا بميزانٍ دقيقٍ. 

وتعطي سابين مثالاً صارخاً: "تشغيل عقارٍ قبل تأثيثه أو تجهيز خدماته كفيلٌ بإشعال أزمةٍ لا تنطفئ بسهولةٍ. نغلق هذه الثّغرات بسلاسل المتابعة لا بحظّ المدير أو يقظة الموظّف". 

ولا تخفي سابين ما للاحترام الشّخصيّ من أولويّةٍ في فلسفتها: تقول بقناعة الأمّ الّتي خبرت تعب التّوفيق بين البيت والمكتب: "لا أسمح لنفسي أن أقتحم راحة أحدٍ في المساء أو نهاية الأسبوع، ولو اضطررت للعمل أرجئ كلّ رسالةٍ حتّى الصّباح". 

في الفريق، الحدود ليست نصيحةً بل ثقافةٌ يوميّةٌ تمارس أمام العيون. وتعترف أنّ العمل الموزّع عبر مناطق زمنيّةٍ شتّى يفرض تحدّياتٍ استثنائيّةً: "أحياناً أحتاج لكتابة فكرةٍ على عجلٍ حتّى لا تضيع من الذّاكرة، فأرسلها وأوضّح فوراً أنّها ليست عاجلةً، ولن أطلب ردّاً قبل ساعات العمل". وتحثّ الجميع على بناء حدودهم باطمئنانٍ، وكأنّها تقول: "حافظ على نفسك حتّى لا تفنيها في دوّامة المهامّ الّتي لا تنتهي". 

وتختم بوعي من خبر كلا الجانبين: "نعمل جميعاً بقوّةٍ وإخلاصٍ، ولكنّنا بحاجةٍ دائمةٍ لفترات انفصالٍ نستعيد فيها ذواتنا بعيداً عن ضغوط البريد والتّنبيهات والاجتماعات الّتي لا ترحم. ولهذا أصرّ دائماً ألّا يفرض أحدٌ على زميله ردّاً فوريّاً خارج الوقت الّذي يليق بالرّاحة الإنسانيّة". 

تتعثّر الخطط أحياناً حين يتعلّق الأمر بالتّواصل، حتّى في أكثر البيئات انتظاماً. ورغم كلّ الاحتياطات، تدرك سابين أنّ الطّريق لا يكون دائماً معبّداً أمام الفريق؛ ولكنّها ترى في فلسفة الشّركة بوصلةً تبقي الجميع في المسار الصّحيح. 

تقول بثقةٍ: "لا نصيب دائماً، ولكنّ ما يصنع الفرق حقّاً هو ثقافة الرّدّ الصّريح. حين يفشل أمرٌ، نعيد تعديله فوراً". بهذا النّهج، يبقى الفريق محافظاً على كفاءته، متخفّفاً من ضغوطٍ لا داعي لها، في بيئةٍ يشعر فيها كلّ فردٍ بأنّه مسموعٌ ومساندٌ، لا مجرّد ترسٍ في آلة العمل. 

حمزة خان: المؤسّس المشارك والرّئيس التّنفيذيّ لشركة Letswork 

كيف أتقن ثلاثة مؤسسين من المنطقة فن التواصل مع الفرق عن بعد؟

تأسّست "ليتسوورك" (Letswork) عام 2019 كمنصّةٍ تتيح الدّخول عند الطّلب لمساحات العمل والمقاهي وغرف الاجتماع، وامتدّ نشاطها ليشمل الإمارات والسّعوديّة والبحرين والبرتغال وإسبانيا وباكستان والأردنّ. 

ينحاز خان إلى مفهوم "الهجين المرن"، فلا يؤمن بالتّصلّب الإداريّ ولا يترك للفوضى موطئ قدمٍ. 

يقول: "يتكوّن فريقنا من 18 شخصاً يعملون بنظامٍ هجينٍ مرنٍ؛ بعضنا يعمل عن بعدٍ بالكلّيّة، والبعض الآخر في مواقع ليتسوورك نفسها. وحين يتواجد أكثر من شخصٍ في مدينةٍ واحدةٍ، نشجّعهم على اللّقاء الحضوريّ أسبوعيّاً، لنحافظ على الرّوابط الإنسانيّة ونمنح الجميع فرصةً للاحتكاك المباشر مع العملاء". 

يحافظ الفريق على تواصله الفعّال، مهما تباعدت المناطق الزّمنيّة، من خلال أدواتٍ مثل سلاك ومستندات غوغل ومنصّة إدارة المهامّ "موشن" (Motion)، بينما تجمع الاجتماعات الشّهريّة جميع الأعضاء افتراضيّاً لتعزيز وحدة الهدف وتبادل المستجدّات. 

يختار خان أن يُبقي معظم التّواصل غير متزامنٍ، ويصعّد الأمور العاجلة مباشرةً عبر واتساب أو الاتّصال الهاتفيّ، فلا يضيّع وقت أحدٍ في انتظار ردٍّ على سلاك في منتصف اللّيل. 

يعطي خان الأولويّة الكبرى لحماية وقت الفريق الشّخصيّ، ويعتبرها حجر الأساس في ثقافة الشّركة. يقول: "لا نرسل رسائل البريد الإلكترونيّ داخليّاً أبداً؛ فالبريد مخصّصٌ فقط للتّواصل مع العالم الخارجيّ. ونستخدم أدواتٍ مثل "غرانولا" (Granola) لتلخيص الاجتماعات تلقائيّاً، حتّى يبقى الجميع في الصّورة ولو غاب أحدهم". 

ويضيف: "من أدواتي المفضّلة خاصّيّة جدولة الرّسائل؛ فمن يعمل خارج أوقات الدّوام أو في مناطق زمنيّةٍ مختلفةٍ يمكنه أن يبرمج رسائله لترسل صباحاً، حتّى لا يشعر زملاؤه بضغطٍ غير معلنٍ للرّدّ السّريع". 

يرسّخ خان ثقافة الثّقة: لا يُتوقّع من أيّ فردٍ أن يكون على اتّصالٍ دائمٍ، ولا يفرض الرّدّ الفوريّ إلّا في الحالات العاجلة جدّاً. إذا استدعت الظّروف، يكون الهاتف أو واتساب هما الحلّ، لا رسالةً على سلاك تفاجئ متلقّيها في ساعةٍ متأخّرةٍ. 

وعند سؤاله عن جوهر القيادة الناجحة لفريقٍ يعملُ عن بُعدٍ، يُجيب باختصارٍ مُحكمٍ: "نظّم أدواتك بدقّةٍ، وتواصل مع فريقك بقصدٍ ووضوح، وأتح لهم مساحةً كافيةً للعمل المركّز والعميق". 

بناء بيئة عملٍ منظّمةٍ ومحترمةٍ وشفّافةٍ لا يرفع الإنتاجيّة فقط؛ بل يصنع فريقاً أسعد وأكثر التزاماً وولاءً. وفي عالمٍ أصبح فيه العمل عن بعدٍ أو الهجين قاعدةً، يبقى التّواصل الإنسانيّ الحقيقيّ هو جوهر كلّ نجاحٍ يكتب له الاستمرار. 

آخر تحديث:
تاريخ النشر: