حين يُخطئ الحرف وتصيب العلامة: بلاغة الزلّة في تسويق البراند
استراتيجيات علامات كبرى كـASOS وPUMA في تحويل الخطأ الطباعي إلى أداة لخلق التفاعل وتعزيز صورة العلامة التجارية

ما الّذي يجعل خطأً طباعيّاً واحداً يُحدث ضجّةً؟ ولمَ تُثير زلّةٌ لغويّةٌ صغيرةٌ، لا تتعدّى حرفاً زائداً أو منقوصاً، هذا الكمّ من التّفاعل والانتباه؟
في زمنٍ تُقاس فيه قيمة العلامات التّجاريّة بمدى اتّساقها ودقّتها البصريّة واللّفظيّة، يبدو التّايبو – في ظاهره – أمراً معيباً لا يُغتفر. لكنّ واقع التّجربة الحديثة يُثبت العكس: ثمّة سحرٌ خفيٌّ في الخطأ حين يُدار بذكاءٍ، وثمّة مساحاتٌ رماديّةٌ بين الإحراج والتّألّق.
هذا المقال ليس عن السّقطات التّحريريّة فحسب، بل عن التّحوّلات الذّكيّة: كيف نجحت علاماتٌ تجاريّةٌ عالميّةٌ في تحويل أخطاءٍ غير مقصودةٍ إلى لحظاتٍ ذهبيةٍ من التّفاعل والانتشار؟ وكيف بات الخطأ – في بعض الحملات – أداةً مقصودةً ومتعمّدةً لإعادة صياغة العلاقة مع الجمهور؟
سنبدأ بالحالات العفوية، تلك الّتي وُلدت من زلّةٍ، ثمّ ننتقل في القسم التّالي إلى الحملات المصنوعة على مقاس الخطأ.
أخطاءٌ وُلدت صدفةً... لكن وُظّفت بفطنةٍ
ASOS: طباعة 17000 كيسٍ بـ"onilne"
حين ارتكبت (ASOS) في عام 2018 خطأً طباعيّ في طباعة عبارة “discover fashion onilne” بدل من “online” على نحو 17000 كيس شحنٍ بلاستيكيٍّ، لم تهرع إلى إصدار اعتذارٍ رسميٍّ أو محاولة التّغطية على الزّلّة. بل اختارت أن تعترف بخفّة ظلٍّ، فغرّدت:
"حسن، ربما طبعنا 17,000 كيسٍ فيه خطأٌ مطبعيٌّ. سنعتبره إصداراً محدوداً".
ردّ الجمهور كان مدهشاً: لم يُسجّل تراجعٌ في ثقة العملاء، بل حفلت الرّدود بطلباتٍ لاقتناء تلك الأكياس "النّادرة"، واعتبر الموقف لطيفاً ومحبّباً، يعكس بشريّة العلامة وعدم تكلّفها.
لقد تحوّل الخطأ إلى لحظة اتّصالٍ إنسانيٍّ، وأثبتت ASOS أنّ الاعتراف بالخطأ يمكن أن يفضي إلى محبّةٍ غير محسوبةٍ. [1]
ماكدونالدز: تغريدةٌ ناقصةٌ، وسخريةٌ كاملةٌ
في نوفمبر 2017، وبينما كانت الاستعدادات جاريةً لعيد "الجمعة السّوداء"، نشر حساب ماكدونالدز الرّسميّ تغريدةً تقول:
*"Black Friday **** Need copy and link ***" – كانت عبارةً تحضيريةً من الفريق التّسويقيّ، خرجت إلى العلن بالخطأ.
وسرعان ما التّقطتها الأنظار، وسرت كالنّار في الهشيم. وبدل من الدّفاع أو الحذف الصّامت، تلقّت ماكدونالدز المزحة كما هي، وأضافت لمسةً مرحةً حين ردّت:
"نعم، نحن بحاجةٍ إلى قهوةٍ".
لكن اللّافت أكثر كان ردّ المنافس (Wendy’s) الذّي غرّد بسخريةٍ لاذعةٍ:
"يبدو أنّ التّغريدات أيضاً لا تعمل، تماماً كآلات الآيس كريم لديكم".
ورغم أنّ الحدث انطوى على "زلّةٍ مهنية"، إلا أنّ تدفّق التّفاعل أتاح لماكدونالدز فرصةً ذهبيةً للبقاء في دائرة الحديث، وتحقيق آلاف التّفاعلات دون إنفاق دولارٍ واحدٍ على الإعلانات. [2]
الصّليب الأحمر الأمريكيّ: حين يصبح الخطأ دعوةً للتبرّع
في مشهدٍ أقل شهرةً وأكثر طرافةً، قام أحد موظّفي منظّمة الصّليب الأحمر الأمريكيّ بنشر تغريدةٍ عن حفلةٍ ومشروباتٍ كحوليةٍ من حساب المنظّمة الرّسميّ عن طريق الخطأ.
لم يكن أمام المؤسّسة خيارٌ سوى الاعتراف، فجاء الرّدّ سريع:
"لقد استعدنا السّيطرة على مفاتيح الحساب".
ما حدث بعد ذلك كان غير متوقّعٍ. شركة الجعة (Dogfish Head) تبنّت المزحة، وأطلقت حملةً تشجّع النّاس على التّبرع للصليب الأحمر باستخدام وسم الحادثة، ما حوّل الخطأ الشّخصيّ إلى حركة دعمٍ مجتمعيةٍ حقيقيةٍ.
لقد كانت زلةً، نعم، لكنّها – بإدارةٍ صادقةٍ – تحوّلت إلى لحظة تضامنٍ تدرّس.
ما الّذي نراه هنا فعلاً؟
ليست هذه الحالات مجرّد طرائف، بل دروسٌ متقدّمةٌ في فنّ إدارة الهويّة. فما يجمعها:
- الاعتراف قبل أن يتضخّم الخطأ. هذه الخطوة تمنح العلامة أفضليّةً استباقيّةً أمام التّفاعل الجماهيريّ.
- استحضار الطّرافة دون فقدان الجديّة. لم تحاول أيٌّ من العلامات أن "تضحك على الجمهور"، بل ضحكت معه.
- تحويل الخطأ إلى قصّةٍ قابلةٍ للمشاركة. الأهمّ من الزلّة نفسها، هو كيف تصوّغ العلامة روايتها عنها، وكيف تجعل من لحظةٍ عابرةٍ مادّةً للمحادثة.
حين يُرتكب التّايبو عن سابق نيّةٍ
في عصرٍ تفكّك فيه الجمل على تويتر، وتحلّل فيه حملات الإعلانات عبر Reddit وTikTok، لم يعد التّفاعل محكوم بما هو "صحيحٌ"، بل بما هو "حيٌّ".
والخطأ – كما اتّضح – قد يكون أكثر حياةً من كثيرٍ من الخطابات المصقولة.
هل يمكن للزلّة أن تتحوّل من عثرةٍ إلى أداةٍ؟
هل يمكن أن يصبح "الخلل" عنصر جماليّ وتواصليّ مدروس؟
في هذا القسم، نرصد كيف استعانت علاماتٌ تجاريّةٌ كبرى ب"الخطأ المتعمّد" في حملاتها التّسويقيّة. لا باعتباره سهو، بل كلغزٍ محبوكٍ يدفع الجمهور إلى التّفاعل، ويخلق لحظة إدراكٍ (aha moment) تحرّك العاطفة وتثبت الرّسالة.
Coors Light: الخطأ الّذي يشبه يوم الإثنين
في يناير 2025، وفي توقيتٍ بالغ الذّكاء يسبق مباراة الـSuper Bowl، أطلقت شركة (Coors Light) إعلاناً خارجيّاً ضخماً بدا – لأوّل وهلةٍ – وكأنّه يحتوي على خطأٍ فادحٍ.
العبارة الّتي تشكّل شعارها الكلاسيكيّ "Mountain Cold Refreshment" ظهرت في اللوحة كالتّالي:
"Mountain Cold Refershment"، مع قلب ترتيب حرفيّ واضحٍ.
أثارت هذه اللفتة موجةً من التّساؤلات، بل من الشّكوك: هل هذه سقطةٌ محرجةٌ؟ أم حركةٌ مقصودةٌ؟
الرّدّ أتى سريعاً من الشّركة، عبر بيانٍ ظريفٍ يقول:
"يبدو أنّنا عانينا من حالة (يوم إثنين)..." [4].
وأتبعت ذلك بتعليقٍ شهيرٍ:
"?Mondays, am I right".
لم يكن الخطأ إذاً سوى جزءٍ من حبكةٍ، مدروسةٍ بما يكفي لتثير الفضول، وبسيطةٍ بما يكفي لتُفهم بسهولةٍ. وتكامل الأداء مع تفاعل الجمهور، الّذي انقسم ما بين ضاحكٍ ومندهشٍ، بينما اعتبر آخرون أنّ الخطأ كان "منعش أكثر من المنتج نفسه".
بل إنّ الشّركة استغلّت هذا الزخم بإصدار عبواتٍ خاصةٍ تحت اسم "Mondays Light"، في إشارةٍ إلى متلازمة الخطأ وبلادة البدايات.
واللّافت أنّ سهم الشّركة سجّل ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 2.5% خلال تداولات ذلك اليوم. ما يشي بأنّ التّايبو هنا لم يكن مجرّد إلهاءٍ، بل تكتيكٌ ذكيٌّ رسّخ صورة Coors Light كعلامةٍ مرنةٍ، لا تهاب المزاح على نفسها.
PUMA و"PVMA": حين يصبح الخطأ تمهيداً لكشف الشّخصيّة
في حملةٍ جريئةٍ ومبهمةٍ أطلقتها (PUMA) في الهند خلال عام 2025، فوجئ الجمهور بأنّ شعار العلامة قد تغيّر فجأةً على اللوحات والمتاجر إلى PVMA.
خطأٌ بصريٌّ مربكٌ؟ أم خللٌ في التّصميم؟ بعض المراقبين اعتبره سقطةً تسويقيّةً ستكلّف الشّركة كثير، خاصّةً في سوقٍ تنافسيٍّ كالهند.
لكنّ، بعد أيّامٍ قليلةٍ، انكشف السّّرّ: كانت الحروف المعدّلة تحمل اختصار لاسم البطلة الأولمبيّة في الرّيشة الطّائرة P. V. Sindhu، الّتي أعلنت PUMA لاحقاً تعيينها سفيرةً للعلامة [5].
في الواقع، لم يكن الخطأ خطأً، بل "توقيعاً بصريّاً" سبق الإعلان الرّسميّ.
ردود الفعل كانت حماسيّةً ومليئةً بالإعجاب، خاصّةً بين الجماهير المحلّيّة الّتي قرأت في هذه اللّفتة تكريم لبطلتها الرّياضيّة. وأظهرت بيانات تحليلات المزاج الرّقميّ ارتفاع الانطباعات الإيجابيّة عن العلامة من 27٪ إلى 32٪ خلال أيّام الحملة.
ولعلّ أعظم ما قدّمته هذه الحملة هو نموذج تسويقٍ مدمجٍ بالثّقافة المحلّيّة، يوظّف الخطأ ليخفي في داخله رسالةً أعماًق: "اسمك، هو علامتنا".
Visible: خطأٌ يُقابل بتدليكٍ!
حين أطلقت شركة (Visible)، التّابعة لـVerizon، حملتها الإعلانيّة في مدينة دنفر، لجأت إلى حيلةٍ لغويّةٍ محكمةٍ.
ففي إحدى اللاّفتات، كتبت عبارة عرضها الشّهير "Unlimited messages" بشكلٍ خاطئٍ:
"Unlimited massages" – جلسات تدليكٍ غير محدّدةٍ بدلاً من رسائل غير محدّدةٍ.
المفاجأة؟ الشّركة لم تنف الخطأ، بل دعت النّاس إلى زيارة محطّة ينيون الشّهيرة للحصول على جلسات تدليكٍ مجّانيّةٍ فعليّةٍ، كجزءٍ من الحدث.
لم يكن الخطأ إذاً سوى مدخلٍ لتجربةٍ حسّيّةٍ تُرسّخ في ذاكرة المتلقّي، وظّف فيها "الزّلّة" لصالح العلامة، لا ضدّها.
والنّتائج؟ الحملة تجاوزت التّوقّعات، محقّقةً نسبة تفاعلٍ فاقت التّقديرات بـ112٪، إلى جانب تغطياتٍ إعلاميّةٍ في الصّّحافة المحلّيّة والرّقميّة.
وقد عبّر مسؤولو Visible عن رؤيتهم بعبارةٍ لافتةٍ:
"أن تخطئ، يعني أن تكون صادقاً. وأن تعترف، يعني أن تبني ثقةً". [6]
Snickers: لست أنت عندما تخطئ الإملاء
في واحدةٍ من أنجح حملات التّايبو الرّقميّة، استعانت (Snickers) بحقيقةٍ بسيطةٍ: النّاس يخطئون كثيراً عند البحث في جوجل.
ففي عام 2013، أطلقت العلامة الشّهيرة حملةً تقوم على استهداف الكلمات الّتي يخطئ المستخدمون في تهجيتها على محرّكات البحث، عبر إعلاناتٍ تظهر بمجرّد إدخال الخطأ. [7]
فمن يكتب "definately" بدلاً من "definitely"، أو "calender" بدل من "calendar"، تظهر له رسالةٌ من Snickers تقول: "يبدو أنّك جائعٌ. خذ لك سنيكرز".
الحملة كانت ترجمةً ذكيّةً جداً لعبارة Snickers الشّهيرة "You’re not you when you’re hungry", وبلغ عدد المستهدفين بها في أوّل ثلاثة أيّامٍ فقط أكثر من 500 ألف مستخدمٍ.
بتكلفةٍ بسيطةٍ، ربطت Snickers الجوع بالتّايبو، ووضعت نفسها في موقع العلاج اللّذيذ لخطأٍ بريءٍ.
KFC: FCK… اعتذارٌ بطعم الجرأة
لا يمكن الحديث عن التّايبو المتعمّد دون استحضار واحدةٍ من أكثر الحملات جرأةً في تاريخ الاعتذار المؤسسي. ففي عام 2018، وبعد أزمة نقص الدّجاج التّي جعلت بعض فروع KFC البريطانيّة تغلق أبوابها، أطلقت الشّركة إعلاناً مطبوعاً في الصّحف اليوميّة يحمل صورة دلو الدّجاج الشّهير، لكن بحروفٍ معكوسةٍ: FCK بدل من KFC.
عبارةٌ قصيرةٌ أسفل الشّعار تقول: "نعتذر. لقد تسبّبنا بفوضى".
كانت الحملة ضربةً مزدوجةً: اعترافٌ بالخطأ، وجرأةٌ في التّصريح، مع لمسةٍ من اللّعب على الحروف أثارت موجة إعجابٍ وسخريةٍ واحتفاءٍ.
وقد تمّت الإشادة بالحملة عالميّ باعتبارها واحدةً من أنجح أمثلة "الاعتذار الإبداعي"، ودرساً في كيف يمكن لحرفٍ واحدٍ أن ينقذ الموقف، أو – في هذه الحالة – يعيد صياغته بالكامل.
من الخطأ إلى الذّكرى: ماذا يبقى في ذهن الجمهور؟
الخطأ، في جوهره، ليس عاراً دائماً؛ في بعض الحالات، يتحوّل إلى "خلخلة" خفيفةٍ تهزّ الصّورة النّمطية للعلامة، فتفتح فجوةً يدخل منها التّعاطف، أو الابتسامة، أو حتى الدّهشة.
لكن ما الذّي يجعل بعض الأخطاء تمرّ بسلامٍ – بل تخلّد في ذاكرة السّوق – بينما تترك أخرى ندبةً يصعب محوها؟
الإجابة تكمن في التّوقيت، والشّفافية، والبراعة السّردية. وسنحاول هنا استخلاص أثر هذه الأخطاء، المقصودة وغير المقصودة، على المدى القصير والطويل، استناد إلى الأمثلة التّي ناقشتناها في القسمين السّابقين.
أوّلاً: التّفاعل اللّحظيّ والانفجار الفيروسيّ
في معظم الحالات، أدّت الأخطاء الطّباعيّة (سواءً العفويّة أو المصنوعة) إلى موجاتٍ ضخمةٍ من التّفاعل الفوريّ. حملة Coors Light، مثلاً، وصفت بأنّها "لحظةٌ تويتريّةٌ خالصّةٌ" شهدت انتشار صور الإعلان المطبوع بكثافةٍ، مصحوبةً بتعليقاتٍ تتراوح بين السّّخرية والإعجاب.
في حالة Snickers، استهدفت الحملة 500 ألف مستخدمٍ في 3 أيّامٍ فقط، عبر أخطاءٍ إملائيّةٍ شائعةٍ على جوجل. أمّا Visible، فحقّقت تفاعلاً تجاوز التّوقّعات بـ112%، مع مشاركةٍ كثيفةٍ على الأرض وعبر الشّبكات.
هذا النّوع من الانفجار اللّحظيّ يصعب تحقيقه بالحملات التّقليديّة، وهو ما يجعل التّايبو – حين يوظّف بذكاءٍ – أداة اختراقٍ للوعي الرّقميّ، أشبه بلقطةٍ مرتجلةٍ في فيلمٍ صامتٍ تضحك أكثر من المشهد المقرّر.
ثانياً: تعميق الصّّورة الإنسانيّة للعلامة
من أقوى آثار الأخطاء الطّباعيّة المدارة بوعيٍ، أنّها تعيد تأطير العلاقة بين العلامة التّجاريّة وجمهورها. حين تقول ASOS: "طبعنا 17000 كيسٍ فيه خطأٌ. سنعتبره إصداراً محدوداً"، فهي لا تعتذر بجمودٍ، بل تدعو جمهورها ليكون شريك في المزعة.
حين تمازح مكدونالدز نفسها وتردّ بأنّ فريقها يحتاج إلى قهوةٍ، فهي تكسر الحاجز الرّسميّ الصّّلب، وتقدّم صورةً أكثر ليونةً وقرب.
في كلّ هذه الحالات، تصبح العلامة التّجاريّة كياناً بشريّاً، يخطئ ويضحك، يتورّط ويتفاعل.
والنّتيجة؟ تعاطفٌ جماهيريٌّ، وولاءٌ طويل الأمد.
ثالثاً: الخطأ كأداة تأطيرٍ ذكيٍّ للرسالة
في بعض الحملات، لم يكن الخطأ غايةً في ذاته، بل وسيلةً لصياغة رسالةٍ أعمق:
- Coors Light أرادت أن تقول إن الخطأ البسيط في يوم الإثنين مفهومٌ، فاختارت التّايبو وسيلةً.
- PUMA أرادت تمهيداً بصريّاً لظهور نجمةٍ جديدةٍ داخل العلامة، فحوّلت الخطأ إلى لغزٍ.
- Snickers ربطت بين "زلة الحرف" و"زلة المزاج عند الجوع"، في استثمارٍ عبقريٍّ لهويتها الإعلانية.
ما يجمع هذه الحملات هو أن الخطأ ليس مفصولاً عن الرّسالة، بل مدمجٌ فيها.
إنه علامةٌ داخل العلامة، لا خللاً في نظامها.
رابعاً: حدود المقبول... متى ينقلب الخطأ ضدّ صاحبه؟
ورغم النّجاح الظاهر، إلا أنّ توظيف التّايبو يظلّ سيف ذا حدّين.
- إن كان الخطأ فاضحاً دون تفسيرٍ سريعٍ، قد يشعر الجمهور بالخذلان.
- وإن كان الخطأ متعمّداً دون ذروةٍ منطقيةٍ أو "لحظة كشفٍ" مرضيةٍ، فقد يفسّر كخداعٍ.
- وإن تكرّر الأسلوب ذاته أكثر من مرّةٍ، فقد تفقد العلامة مصداقيتها وتتّهم بالاستغلال الرّخيص.
لذلك، فإنّ أكثر الحملات نجاح هي التّي تراهن على ذكاء الجمهور: أن تربكه قليلاً، أن تضحكه كثيراً، ثم أن تمنحه لحظة اكتشافٍ يخرج منها بشعور: "فهمت الرّسالة... وأحببتها".
خامساً: ماذا عن الأثر الماليّ؟
لا تقتصر المكاسب على السّمعة فقط. حملة Coors Light أدّت إلى ارتفاع سهم الشّركة بنسبة 2.5% بعد ساعاتٍ من انطلاقها.
وتحليلات المزاج في حالة PUMA رصدت ارتفاعاً في الانطباعات الإيجابية من 27% إلى 32% خلال أيّامٍ معدودةٍ.
أمّا Snickers، فقد كسبت وصولاً واسعاً بأقلّ تكلفةٍ إعلانيةٍ ممكنةٍ.
كلّ ذلك يؤكّد أنّ التّايبو، حين يدار ضمن هندسةٍ سرديةٍ دقيقةٍ، يمكن أن يتحوّل من نقطة ضعفٍ إلى رافعةٍ استراتيجيةٍ.
سادساً: الخطأ كحيلةٍ إبداعيةٍ في عصر المشاعر السّريعة
نحن نعيش في زمنٍ لا يقرأ فيه النّاس الإعلانات، بل يشعرونها.
وفي هذا السّّياق، فإنّ الخطأ – باعتباره فعلاً غير مألوفٍ – يشعل ردّ الفعل.
إنه يخرج العلامة من صيغتها النّمطية، ويمنحها لحظةً إنسانيةً قصيرةً، لكنها شديدة التّأثير.
بكلماتٍ أخرى: الخطأ لا يُنسى، لأنّه غير متوقّع. والعقل البشريّ يتذكّر المفاجآت أكثر مما يتذكّر الشّعارات.
فنّ الزلّة... حين تتقن العلامة فنّ أن تكون ناقصة
الدّرس الأكبر هنا ليس كيف تخطئ، بل كيف تروي قصّة خطئك. العلامة التّي تجيد فنّ التّايبو، هي تلك التّي لا تفرّ منه، ولا تتهكّم عليه، بل تحتضنه وتحوّله إلى أداة تعبيرٍ. في النّهاية، لا أحد يطلب من البراند أن تكون كاملةً. لكن كثيرين ينتظرون منها أن تكون حقيقيةً، ذكيّةً، مرحةً، وشفافةً. وفي أحيانٍ كثيرةٍ، لا شيء يثبت تلك الصّّفات أكثر من... زلّةٍ مدروسةٍ.