الرئيسية التنمية الموهبة أم المهارة: كيف تتعلّم أيّ شيءٍ تريد؟

الموهبة أم المهارة: كيف تتعلّم أيّ شيءٍ تريد؟

تشير الدّراسات إلى أنّنا نتعلّم بالمعدل نفسه، وأنّ الفارق الحقيقيّ بين النّاس ليس في القدرة على التّعلّم، بل في نقطة البداية التي ينطلق منها كلّ واحدٍ منّا

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

ربّما تظنّ أنّك لا تمتلك الموهبة في المال، أو في التّصميم، أو في البرمجة، أو حتّى في تعلّم أيّ مهارةٍ جديدةٍ تطمح إلى إتقانها. غير أنّ هٰذا الاعتقاد غالباً ما ينشأ من خلطٍ شائعٍ بين «الموهبة» و«المهارة»، إذ يظنّ كثيرون أنّ الموهبة هي ما يحدّد قدرتنا على التّقدّم، بينما الحقيقة أعمق من ذٰلك بكثيرٍ.

فبحسب مؤسّس شركة "هوب ستوب" (HubSpot) دارميش شاه: "الموهبة هي سرعة اكتساب المهارة، أمّا المهارة فهي شيءٌ قابلٌ للتّعلّم". أي إنّ الموهبة تحدّد مدى سهولة التّعلّم، لا إمكانيّة التّعلّم ذاتها. فكلّ إنسانٍ قادرٌ على اكتساب المهارة إذا أصرّ وسعى، مهما كانت نقطة انطلاقه.

الفرق بين الموهبة والمهارة

يختلط على كثيرٍ من النّاس التّفريق بين الموهبة والمهارة، فيظنّون أنّ الموهبة هي ما يحدّد مصير النّجاح أو الفشل، وأنّ غيابها يعني العجز عن التّقدّم. غير أنّ الواقع يظهر أنّ الموهبة ليست سوى نقطة انطلاقٍ أسرع، بينما المهارة هي النّتيجة الّتي تبنى بالمثابرة والتّعلّم المتواصل.

فالموهبة تمثّل استعداداً فطريّاً أو سرعةً في اكتساب المعرفة، لكنّها لا تمنح الإتقان تلقائيّاً، إذ إنّ المهارة تكتسب بالممارسة والخبرة والتّجربة، مهما كان مستوى الموهبة الأوّليّ. فالموهوب يتعلّم بسرعةٍ، أمّا المجتهد فيتعلّم بثباتٍ واستمرارٍ، وغالباً ما يتفوّق في النّهاية.

تخيّل مثلاً شخصين يتعلّمان الموسيقى: أحدهما يملك أذناً موسيقيّةً فطريّةً، والآخر لا يمتلكها لكنّه يواظب على التّدريب اليوميّ. بعد أشهرٍ من الجهد المنظّم، قد يصل الثّاني إلى مستوى من الإتقان يوازي -وربّما يتجاوز - من بدأ بموهبةٍ طبيعيّةٍ. لأنّ الممارسة، لا الميل الفطريّ، هي ما يصقل الأداء ويحوّل المعرفة إلى مهارةٍ حقيقيّةٍ.

وهنا تتجلّى الفكرة الأساسيّة: لا يعني أن يملك شخصٌ موهبةً معيّنةً أنّ الآخرين عاجزون عن بلوغ مستواه، بل يعني فقط أنّ رحلتهم ستكون أطول قليلاً وتتطلّب جهداً أكبر. فكما أكّد باحثو جامعة كارنيجي ميلون في دراستهم المعنونة «انتظامٌ مذهلٌ في معدّل تعلّم الطّلّاب»، فإنّ الفارق الحقيقيّ بين الأفراد لا يكمن في قدرتهم على التّعلّم، بل في مستوى معرفتهم الأوّليّ. ومع الوقت والممارسة الواعية، يمكن لأيّ إنسانٍ أن يحقّق الإتقان نفسه، مهما كانت موهبته في البداية.

ما تقوله الدراسات عن معدل التعلم

تبيّن الدّراسة أنّ جميع الطّلّاب يتحسّنون في أدائهم الأكاديميّ بالمعدّل نفسه تقريباً في كلّ جلسةٍ من التّعلّم أو الممارسة، رغم اختلاف مستويات المعرفة المبدئيّة بينهم. أي إنّ الفارق الحقيقيّ يكمن في نقطة البداية، لا في القدرة على التّعلّم. فمع التّدريب المتكرّر والممارسة الواعية، يمكن لأيّ شخصٍ أن يبلغ مستوى الإتقان في أيّ مجالٍ يختاره.

ويقدّر الباحثون أنّ تعلّم أيّ عنصرٍ معرفيٍّ جديدٍ يحتاج في المعدّل إلى سبع جلساتٍ من الممارسة الهادفة:

  • جلسة التعرّف الأولى: يتعرّف فيها المتعلّم على المفهوم أو المهارة الجديدة للمرة الأولى.

  • جلسة الفهم المبدئي: يبدأ المتعلّم بتوضيح المعاني وربطها بما يعرفه مسبقًا.

  • جلسة التطبيق الأول: يجرب فيها المتعلّم استخدام المهارة عمليًا حتى لو بأخطاء.

  • جلسة التصحيح والتغذية الراجعة: يراجع أخطاءه ويتلقى ملاحظات لتحسين الأداء.

  • جلسة التكرار المقصود: يعيد التجربة بوعيٍ أكبر لتثبيت الخطوات الصحيحة.

  • جلسة الإتقان المبدئي: ينجز المهارة دون تردد، ويبدأ في أداء المهمة بثقة نسبية.

  • جلسة التثبيت النهائي: يراجع ويعيد الممارسة في ظروف مختلفة لترسيخ المهارة في الذاكرة طويلة الأمد.

ومع ذٰلك، يشدّدون على أنّ الاستمرار هو المفتاح، إذ يقولون: "عندما تتوفّر بيئة تعلّمٍ مناسبةٌ وفرصٌ كافيةٌ للممارسة المتعمّدة، فإنّ أيّ شخصٍ قادرٌ على تعلّم أيّ شيءٍ يرغب فيه".

لماذا المثابرة أهم من الموهبة؟

وهٰذا ما يجعل التّعلّم رحلةً لا تحدّها الموهبة. فقد تملك موهبةً في أمرٍ ما فتتعلّمه بسرعةٍ، أو تفتقر إليها فتحتاج إلى مزيدٍ من التّدريب، لكنّك في الحالتين تصل إلى النّتيجة نفسها إن واصلت السّعي. ويؤكّد الباحثون أنّ الجميع قادرون على بلوغ مستوياتٍ متقدّمةٍ من الإتقان متى ما وجدت بيئةٌ مناسبةٌ وفرصٌ كافيةٌ للتّعلّم.

صحيحٌ أنّ الظّروف قد لا تكون مثاليّةً دائماً، لكنّ الإمكانيّة تظلّ قائمةً لمن يصرّ على التّقدّم. وليس عليك أن تكون الأفضل في كلّ شيءٍ، فريادة الأعمال مثلاً لا تتطلّب أن تكون سارة بليكلي في المبيعات، أو مارك كوبان في الاستثمار، أو جنسن هوانغ في التّقنية. يكفي أن تكون جيّداً في عدّة أمورٍ، ومتميّزاً في واحدةٍ أو اثنتين.

كيف تتجاوز عقدة «عدم الموهبة»؟

إذاً، لا تدع شعورك بنقص الموهبة يقيّدك. قسّم الهدف الكبير إلى خطواتٍ صغيرةٍ يمكن قياسها، ثمّ واصل التّعلّم والممارسة وطلب الملاحظات باستمرارٍ. فاختبار نفسك بشكلٍ دوريٍّ، كما تظهر الأبحاث، يعزّز الاحتفاظ بالمعلومات على المدى الطّويل.

ويقول شاه في هٰذا السّياق: "حدّد مجموعة المهارات الّتي تحتاج إلى اكتسابها. بعضها ستتعلّمه بسهولةٍ لأنّ لديك الموهبة، وبعضها الآخر ستضطرّ لبذل جهدٍ أكبر من غيرك، لكنّ الأمر ممكنٌ، وممكنٌ تماماً".

ربّما تبدو هٰذه الكلمات متواضعةً من رجلٍ أسّس شركةً تقدّر قيمتها بـ 19 مليار دولارٍ، لكنّها واقعيّةٌ تماماً. فالبحوث العلميّة تؤكّد أنّ اكتساب المهارة لا يعتمد على الموهبة، بل على الإصرار والاستمرار. قد تحتاج إلى خمسٍ أو ستٍّ أو حتّى سبع جلساتٍ لتتقن مهارةً جديدةً، وهٰذا طبيعيٌّ تماماً، لأنّك -وإن لم تولد بموهبةٍ فطريّةٍ- قادرٌ دائماً على اكتساب المهارة بالمثابرة والتّعلّم.

الخلاصة

الموهبة قد تختصر الطّريق، لكنّها لا تصنع النّتيجة. وحدها الإرادة والممارسة المستمرّة قادرتان على تحويل أيّ إنسانٍ عاديٍّ إلى صاحب مهارةٍ استثنائيّةٍ. لذٰلك، لا تنتظر أن تولد بموهبةٍ خاصّةٍ، بل اصنعها بالمجهود والتّكرار، لأنّ كلّ ما يبدو «موهبةً» في النّهاية ليس سوى مهارةٍ صقلها الإصرار عبر الزّمن.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
زمن القراءة: 5 دقائق قراءة
آخر تحديث:
تاريخ النشر: