مهارة قراءة الغرفة: كيف تنقذ اجتماعاتك من الفوضى؟
وسط تحديّات الاجتماعات الحديثة، تبرز الحاجة لفهم الإشارات الخفيّة وتحويل الأجواء المبعثرة إلى فرصٍ حقيقيّةٍ للإنجاز والتّأثير العميق

في عالم اليوم، تتشكّل الميّزة التنافسيّة من خلال إتقان مهارةٍ أساسيّةٍ، ولعلّ أفضل ما يلخّص هذا الواقع ما قاله الفكاهي ديف باري: "لو طُلب منّي تلخيص سبب عجز الجنس البشريّ عن بلوغ كامل إمكاناته بكلمةٍ واحدةٍ، لاخترت: الاجتماعات".
خاض معظم النّاس اجتماعاتٍ يسودها التّشتّت وغياب الانسجام. ولا عجب في ذلك، فقد أقرّ التّنفيذيّون بأنّ 71% من الاجتماعات غير فعّالةٍ، بينما يقوم 92% من الموظّفين بمهامٍّ متعدّدةٍ أثناءها. يكشف هذا الواقع الحاجة الملحّة إلى تطوير أساليب فهم ديناميكيّات الفريق، لا سيما في ظلّ بيئات العمل الهجينة الحاليّة الّتي تجعل التقاط الإشارات الاجتماعيّة أكثر تعقيداً.
ومن خلال خبرتي في تدريب القادة وتيسير أنواعٍ متعدّدةٍ من الاجتماعات، طوّرت إطار عملٍ عمليّاً أطلق عليه "السّتّة إي" (6 E’s)، يحوّل مهارة قراءة الغرفة من فكرةٍ مبهمةٍ إلى مهارةٍ قياديّةٍ ملموسةٍ وقابلةٍ للتّطبيق.
1. التواصل البصري
ما الّذي يجب ملاحظته؟ راقب ما إذا كان الأشخاص يجرون اتّصالاً بصريّاً معك، وكيف يتمّ هذا الاتّصال، وراقب أيضاً اتّجاهات نظرهم الأخرى وأسبابها، إذ تظهر أنماط النّظر مستوى الاهتمام، ووجود الملهيّات، ومدى التّفاعل مع محتواك، حيث تشير الدّراسات إلى أنّ 4% فقط من الموظّفين يؤدّون مهمّاتٍ متعدّدةً أثناء مكالمات الفيديو، مقارنةً بـ57% خلال المكالمات الهاتفيّة، ممّا يجعل التّواصل البصريّ مؤشّراً بالغ الأهمّيّة على التّفاعل. كما بيّنت الأبحاث أنّ طول الاجتماعات عن بعدٍ يؤدّي إلى تراجع التّواصل البصريّ تدريجيّاً.
إذاً، ما الّذي يجب فعله؟
- ضع نفسك بمكانٍ يمكّنك من إجراء أكبر قدرٍ ممكنٍ من التّواصل البصريّ مع الحضور.
- احرص على أن يكون تواصلك شاملاً للجميع، لا يقتصر على المفضّلين أو أصحاب النّفوذ.
- احترم اختلاف أنماط التّواصل لدى الزّملاء العصبيّين أو القادمين من ثقافاتٍ قد تتجنّب التّواصل المباشر بالعين.
- لاحظ الأنماط وعلّق عليها بحيادٍ، مثل: "ألاحظ أنّ العديد بدؤوا ينظرون إلى ساعاتهم، سأسرّع الوتيرة قليلاً".
2. الطاقة العامة
استشعر الأجواء العامّة: هل هي ودّيّةٌ؟ أم متوتّرةٌ؟ أم مشتّتةٌ؟ لقد ارتفعت نسبة الاجتماعات الافتراضيّة من 48% إلى 77% بين عامي 2020 و2022، ممّا أوجد ديناميكيّات طاقةٍ بعيدةٍ تستدعي من القادة حسّاً خاصّاً لرصدها، إذ يتطلّب اكتشاف التّغيّرات في المناخ العاطفيّ الإصغاء لكلٍّ من الأقوال والأمور غير المعلنة.
ما الّذي يجب فعله؟
- ابدأ الاجتماع وأثنِ عليه بفحوصاتٍ سريعةٍ للطّاقة: "على مقياسٍ من 1 إلى 10، كيف تصفون طاقتكم الآن؟" وجميع الإجابات مقبولةٌ دون إصدار أحكامٍ.
- إذا لاحظت انخفاضاً في الطّاقة، بدّل الموضوع أو الأسلوب لإعادة جذب الانتباه.
- عزّز طاقتك الشّخصيّة عبر تنويع نبرة صوتك وسرعتك وحجمك وحركاتك التّعبيريّة.
- دع الآخرين يتحدّثون لكسر الرّتابة وتجديد الطّاقة الجماعيّة.
3. التوقعات
راقب مدى تطابق ما تقدّمه مع ما وُعد به الحضور. مع اعتبار أنّ 67% من الاجتماعات الافتراضيّة تفشل، وفقاً لرأي التّنفيذيّين، فإنّ هناك فجوةً كبيرةً في التّوقّعات يجب معالجتها. تساعد العمليّات المنتظمة للتحقّق من التّوقّعات أثناء الاجتماعات على منع الانحراف عن الأهداف والحفاظ على صلة المحتوى بالحضور.
ما الّذي يجب فعله؟
- حدّد بوضوحٍ منذ البداية أهداف الاجتماع والنّتائج المرجوّة منه.
- أجرِ فحوصاتٍ خلال الاجتماع: "هل أغطّي المواضيع الّتي توقّعتم أن نناقشها؟" أو "ما الّذي يمكن أن يكون أكثر فائدةً لكم؟"
- كن مستعدّاً لتغيير الخطّة إذا لم يلقَ المحتوى تجاوباً.
- اجعل التّقدّم مرئيّاً من خلال شطب النّقاط المنجزة على جدول الأعمال.
4. الأنشطة الجانبية
لاحظ مدى انشغال المشاركين بأنشطةٍ أخرى: محادثاتٍ جانبيّةٍ، استخدام هواتف، تناول مشروباتٍ، وغيرها. إذ أظهرت أبحاث "مايكروسوفت" (Microsoft) أنّ خصائص الاجتماع، مثل: الحجم، والمدّة والنّوع، ترتبط بسلوكيّات أداء المهمّات المتعدّدة. كما تدلّ المحادثات الجانبيّة على قضايا أو ارتباكاتٍ غير معالجةٍ، بينما تشير الأنشطة الأخرى إلى احتياجاتٍ غير ملبّاةٍ.
ما الّذي يجب فعله؟
- أعطِ إذناً صريحاً لتلبية الاحتياجات الشّخصيّة: "لا تتردّدوا بالوقوف أو تناول مشروبٍ أو المغادرة إذا لزم الأمر".
- لاحظ الأنشطة واستجب لها بشكلٍ استباقيٍّ: "ألاحظ أنّ عدّة أشخاصٍ يتّجهون إلى آلة القهوة، هل تريدون استراحةً قصيرةً؟"
- استفسر عن المحادثات الجانبيّة دون إصدار أحكامٍ: "ألاحظ بعض النّقاشات، هل من أسئلةٍ يمكنني توضيحها؟"
- نوّع نمط الاجتماع من خلال أنشطةٍ تفاعليّةٍ، مثل: الاستطلاعات، أو مجموعات العمل الصّغيرة، أو تبادل الأفكار الثّنائيّ.
5. التغذية الراجعة الصريحة
استمع للآراء المباشرة مثل: "نحن مرهقون"، أو "لا أفهم". فغالباً ما تمثّل هذه التّصريحات المشاعر الكامنة لدى عددٍ أكبر من المشاركين، وليس فقط المتحدّث.
ما الّذي يجب فعله؟
- اشكر المشاركين على صراحتهم، وأوضح أنّ ملاحظاتهم تساعدك على فهم الاحتياجات الجماعيّة.
- استفسر عن اقتراحاتهم لتحسين الاجتماع: "سمعت أنّ البعض يشعر بالارتباك، كيف يمكننا توضيح الفكرة أكثر؟"
- اطلب التّغذية الرّاجعة بشكلٍ نشطٍ من المشاركين الأقلّ صخباً، أو من الفئات الأقل حضوراً.
- تابع بعد الاجتماع للحصول على فهمٍ أعمق لملاحظاتهم.
6. التفاعل
لاحظ إذا كان المشاركون يطرحون أسئلةً، أو يتطوّعون بمعلوماتٍ، أو يشاركون بنشاطٍ؛ فقد كشف تقرير "غالوب" (Gallup) لعام 2023 أنّ 23% فقط من الموظّفين يشعرون بالتّفاعل مع أعمالهم، وأظهرت أبحاثٌ أخرى أنّ 75% من المشاركين يفقدون التّركيز أثناء الاجتماعات؛ لذا تكشف أنماط المشاركة عن مدى الفهم، والاهتمام، وديناميكيّات القوّة الكامنة.
ما الّذي يجب فعله؟
- وفّر قنواتٍ متعدّدةً للمشاركة، مثل: الأدوات الرّقميّة، والعصف الذّهنيّ الجماعيّ، وجولات المشي والنّقاش، أو جلسات التّفكير الصّامت.
- ادعُ المشاركين الأقلّ ميلاً للكلام إلى المشاركة دون إجبارٍ.
- استخدم الأسماء بلباقةٍ لتحفيز المشاركة: "لم نسمع رأيك بعد، يا ليورا، ما وجهة نظرك؟"
- نوّع طرق التّفاعل لتناسب أنماط التّواصل والتّفضيلات الشّخصيّة المختلفة.
الختام: إنّ امتلاك القدرة على قراءة الأجواء عبر هذه العناصر السّتّة يمكنه أن يحوّل اجتماعاتك من مضيعةٍ للوقت إلى جلساتٍ منتجةٍ ومحفّزةٍ تبني علاقاتٍ أقوى وتحقّق نتائج أفضل. من خلال الملاحظة المنهجيّة لهذه الإشارات والاستجابة لها بالشّكل المناسب، سوف تنّمو المشاركة الحقيقيّة، وسيقدّر إسهام كلّ فردٍ من الفريق.