الرئيسية التنمية قَدم "عيدية" لموظفيك الآن وارفع أرباحك بخطة ذهبية مضمونة!

قَدم "عيدية" لموظفيك الآن وارفع أرباحك بخطة ذهبية مضمونة!

ليست كلّ "عيديّة" كرماً… أحياناً تكون أذكى قرارٍ إداريٍّ في الموسم، ومرّات تكون مجرّد مصاريف إضافيّة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

برزت "العيديّة"، تلك المكافأة أو الهديّة الّتي تُقدَّم للموظّفين بمناسبة الأعياد، لا سيّما عيد الفطر وعيد الأضحى، كظاهرةٍ تحمل في طيّاتها دلالاتٍ اقتصاديّةً ونفسيّةً تتجاوز مجرّد كونها هديّةً موسميّةً. فالعيديّة لم تَعُد مجرّد مبلغٍ نقديٍّ عابرٍ يُمنَح في ظرفٍ ملوّنٍ، بل أصبحت جزءاً لا يتجزّأ من معادلة الرّضا الوظيفيّ، وعلامةً فارقةً في ثقافة المؤسّسات المعاصرة.

ما الّذي يجعل العيديّة تتجاوز قيمتها المادّيّة؟ وكيف تحوّلت من تقليدٍ عائليٍّ مرتبطٍ بالأطفال والزّيارات العائليّة، إلى أداةٍ إداريّةٍ فعّالةٍ تُوظّفها الشّركات العربيّة في تحفيز الموظّفين وتعزيز الانتماء؟ وما الّذي تغيّر خلال العقد الأخير في نظرة المؤسّسات العربيّة إلى هذا التّقليد؟

في هذا المقال، نخوض غمار هذا التّحوّل، عبر تفكيك الأبعاد النّفسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة المرتبطة بالعيديّة المؤسّسيّة، مستندين إلى تجارب واقعيّة وبيانات واستطلاعات وآراء خبراء. نبحث في كيفيّة تلقّي الموظّف العربيّ لهذا التّقليد، وما إذا كانت العيديّة ما تزال قادرةً على إحداث الفارق في زمنٍ يتّسم بتعاظم الضّغوط والأزمات الاقتصاديّة.

ما وراء ظرف المال، الأثر النّّفسيّ والمعنويّ للعيديّة

يصعب النّّظر إلى العيديّة المؤسّسيّة بوصفها مكافأةً نقديّةً فحسب؛ فهي تحمل في طيّاتها رسائل رمزيّةً وإشاراتٍ نفسيّةً لا تقلّ أهمّيّةً عن قيمتها الماليّة. فاللّفتة البسيطة الّتي تتّخذ شكل "ظرفٍ أبيض" قد تكون، في وعي الموظّف، ترجمةً ملموسةً لرسالةٍ تقول: "لاحظنا جهودك، ووجودك في هذه المؤسّسة ذو قيمة".

تشير دراسات متعدّدة في مجال الموارد البشريّة إلى أنّ المكافآت الموسميّة، كالعيديّة، تعزّز مشاعر الامتنان والانتماء. ويزداد هذا الأثر كلّما افتقرت بيئة العمل إلى أدوات التّقدير اليوميّ. في هذا السّياق، تصبح العيديّة تعويضاً نفسيّاً عن فجواتٍ مزمنةٍ في التّقدير المعنويّ، وربّما تكون اللّحظة الوحيدة في العام الّتي يسمع فيها الموظّف "شكراً" بطريقةٍ محسوسةٍ. [1]

وللعيديّة أثرٌ مضاعفٌ حين تُقدَّم في ظروفٍ ضاغطةٍ أو سنواتٍ شاقّة؛ إذ يشعر الموظّف أنّ المؤسّسة لم تتخلَّ عنه رغم التحدّيات [4]. هذا الشّعور يغذّي فخراً داخليّاً، ويُعيد تشكيل العلاقة بين الموظّف والمنظومة. فقد رصدت إحدى الدّراسات ارتفاعاً ملحوظاً في مؤشّرات الولاء والارتباط الوظيفيّ لدى الموظّفين بعد تلقّيهم عيديّةً سنويّةً، ترافق مع ازدياد الرّغبة في بذل جهدٍ إضافيٍّ خلال الشّهور اللاحقة.

ويذهب بعض خبراء الموارد البشريّة إلى اعتبار العيديّة نقطة توازنٍ نفسيّةٍ ضمن بيئة العمل؛ فهي تبعث برسالةٍ غير منطوقةٍ من الإدارة تقول: "نحن نراك، ونُدرك تعبك"، وهي رسالةٌ تعوّض عن جوانب القصور في التّواصل أو التّقدير اليوميّ.

غير أنّ الأثر ليس دائماً إيجابيّاً؛ ففي حال غابت العيديّة فجأةً أو تمّ تقليصها من دون توضيحٍ، قد يشعر الموظّف بالإهمال أو الإنكار. إحدى الشّركات الخليجيّة عانت من موجة تململٍ حين ألغت العيديّة فجأةً بعد سنواتٍ من التّكرار. ووفق تقارير محلّيّة، تراجع مستوى الدّافعيّة العامّة، وظهر شعورٌ بأنّ المؤسّسة لم تعُد تُولِي موظّفيها اهتماماً كالسّابق، وهو شعورٌ قد لا تمحوه الرّواتب المرتفعة.

إذاً، تتجاوز العيديّة كونها تحفيزاً مؤقّتاً لتُصبح مرآةً للعلاقة العاطفيّة بين الموظّف والشّركة. والموظّف الّذي يتلقّى العيديّة لا يحتفظ بها في جيبه فقط، بل في ذاكرته العاطفيّة تجاه المؤسّسة.

العيديّة كرافعةٍ اقتصاديّة، الأثر الماليّ على الشّركات والأسواق

حين تُقدَّم العيديّة ضمن بيئة العمل، فهي لا تمثّل فقط تحفيزاً نفسيّاً، بل تدخل في حساباتٍ ماليّةٍ دقيقةٍ تَمسّ المؤسّسة والمجتمع على حدٍّ سواء. إنّها استثمارٌ في الرّضا الوظيفيّ، يُترجم، عند حُسن التّوظيف، إلى مردودٍ اقتصاديٍّ ملموسٍ. [1]

على مستوى الشّركة: العيديّة كاستثمارٍ في الكفاءة

تُظهِر تقارير متخصّصة في الموارد البشريّة أنّ تقديم مكافأةٍ إضافيّةٍ في مواسم الأعياد لا يُعدّ نفقاً زائداً، بل مدخلاً لتعزيز الكفاءة والإنتاجيّة. الموظّف الّذي يشعر بالتّقدير المعنويّ يكون غالباً أكثر التزاماً بأهداف العمل، ويُبدي استعداداً أكبر لتخطّي التّحدّيات، ما يُترجم، على المدى المتوسّط والطّويل، إلى تحسّن في الأداء العامّ وربحيّة المؤسّسة.

وقد ذهب بعض الخبراء إلى اعتبار العيديّة "أداة صيانةٍ ناعمةٍ" للموارد البشريّة: فبدل صرف مبالغ طائلةٍ على تعويض استقالاتٍ أو معالجة تآكل الولاء، تُستخدم العيديّة كوسيلةٍ لضمان الاستقرار وتحصين الشّركة من تسرّب الكفاءات.

على مستوى السوق: العيديّة محرّكٌ للدّورة الاستهلاكيّة

من زاويةٍ أوسع، تسهم العيديّات في تنشيط عجلة الاقتصاد، لا سيّما خلال مواسم الأعياد، حيث يبلغ الإنفاق ذروته. حين يحصل الموظّفون على مبالغ إضافيّةٍ، فإنّهم يضخّونها مباشرةً في الأسواق لشراء مستلزمات العيد من ملابس وهدايا ومأكولات، ما يُنعِش الطّلب المحلّيّ ويحرّك قطاعاتٍ عديدة. [10]

في الأردن، على سبيل المثال، أوصت تقارير اقتصاديّة بصرف عيديّةٍ تصل إلى 100 دينار لموظّفي القطاع الحكوميّ والمتقاعدين، بهدف تنشيط الأسواق وتمكين الأسر من تلبية مستلزمات العيد. وقد تحوّلت تلك العيديّة إلى أداةٍ مرنةٍ في يد صانع القرار تُستخدم لتحريك الطّلب في أوقاتٍ حرجة. [10]

وفي إندونيسيا، رغم كون المثال من خارج العالم العربيّ، رُصدت مبالغ ضخمة تُقدَّر بـ 3 مليارات الدولارات كمكافآتٍ موسميّةٍ لموظّفي القطاع العامّ، وكان الهدف المعلن هو تحفيز الاقتصاد الوطنيّ، ما يدلّ على الأثر التّراكميّ لمثل هذه السّياسات الموسميّة. [3]

على مستوى الموظّف: دعمٌ ماليٌّ يعزّز الرّضا والاستقرار

بالنّّسبة للموظّف، تُعدّ العيديّة دفعةً ماليّةً حقيقيّةً تدعم ميزانيّته الشّهريّة، خصوصاً في ظلّ ارتفاع التّكاليف المعيشيّة وتزايد الأعباء. كثيرٌ من العاملين يُدرجون العيديّة ضمن دخلهم السّنويّ، وينظرون إليها لا كهديّةٍ طارئةٍ بل كحقٍّ مكتسبٍ، خصوصاً إن اعتادت المؤسّسة تقديمها.

في مصر، مثلاً، أصبحت منح الأعياد جزءاً متوقّعاً في العديد من المؤسّسات العامّة، وحتّى في بعض كيانات القطاع الخاصّ، ممّا يُعزّز الشّعور بالاستقرار المادّيّ ويمنح العاملين جرعة أمانٍ نفسيٍّ في فترةٍ حسّاسةٍ من العام.

بل وتتنافس بعض الشّركات في تقديم عيديّاتٍ جذّابةٍ أو حوافز إضافيّةٍ تُضاف إلى الرّواتب، بهدف الحفاظ على كوادرها ومواهبها، وخفض معدّل دوران الموظّفين. وقد أشار أحد الاستطلاعات في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أنّ 77% من العاملين يحصلون على مزايا ماليّةٍ إضافيّةٍ ضمن حزمة تعويضاتهم، ما يُبرز أهمّيّة العيديّة في مشهد التّوظيف التّنافسيّ.

بالمقابل، عندما تُلغى العيديّة أو تُقلَّص من دون مبرّرٍ واضحٍ، قد يشعر الموظّف بأنّ جهة العمل لا تُقدِّره، ما ينعكس سلباً على التّزامه واستعداده للبقاء. في هذه الحالة، تصبح كلفة الاستنزاف البشريّ أعلى بكثيرٍ من كلفة المكافأة ذاتها.

وباختصار، العيديّة، إن وُظِّفت بعناية، تتحوّل من عبءٍ ماليٍّ محتملٍ إلى أداةٍ فعّالةٍ لحصد الولاء وتعزيز الاستقرار الماليّ والعمليّ على حدٍّ سواء.

العيديّة المؤسّسيّة في العالم العربيّ: مشهدٌ متباينٌ تُحدِّده الثّقافة والسّياسة

رغم أنّ العيديّة تحظى بجذورٍ ثقافيّةٍ عميقةٍ في المجتمعات العربيّة، إلّا أنّ حضورها داخل بيئات العمل يختلف من بلدٍ إلى آخر، باختلاف التقاليد العمّاليّة، والسّياسات الحكوميّة، وقدرة المؤسّسات على تقديم الحوافز. يتراوح المشهد من بلدانٍ تعتبر العيديّة المؤسّسيّة عرفاً راسخاً، إلى أخرى تَغيب فيها هذه الممارسة أو تظلّ رمزيّةً فقط.

السّعوديّة

تُعدّ المملكة العربيّة السّعوديّة من أكثر الدّول العربيّة التزاماً بممارسة العيديّة في بيئة العمل، لا سيّما في القطاع الحكوميّ والشّركات الكبرى. ومن المعتاد أن يُمنَح الموظّف راتب شهرٍ إضافيٍّ بمناسبة عيد الفطر، يُشار إليه أحياناً بـ"الرّاتب الثّالث عشر"، وإن لم يكن ذلك ملزِماً قانوناً. [7]

هذا التّقليد يكتسب قوّته من الرّسوخ الاجتماعيّ، إذ يُنظر إلى العيديّة على أنّها استحقاقٌ أخلاقيٌّ يُقدَّم للموظّف بعد أداء شهر رمضان، وليس مجرّد مكافأةٍ اختياريّة. ويدفع هذا التوقّع الشّركات إلى تخصيص ميزانيّاتٍ خاصّةٍ للعيد، باعتبار الأمر جزءاً من التّوازن النّّفسيّ والمؤسّسيّ.

الإمارات

في الإمارات، لا يُوجَد قانونٌ يُلزم المؤسّسات بصرف عيديّة، لكنّ الواقع العمليّ يُظهر شيوع مكافآت نهاية العام الّتي قد تُعادل راتب شهرٍ أو أكثر، بينما تُقدّم بعض الشّركات هدايا نقديّةً أو عينيّةً خلال العيدين. [14]

وتتميّز بعض المؤسّسات الكبرى، مثل الجهات الحكوميّة في دبي، بربط الحوافز بأداء الموظّف. ففي عام 2023، على سبيل المثال، تمّ الإعلان عن مكافآتٍ تفوق 150 مليون درهم لموظّفي الحكومة، بناءً على الأداء. كما تقوم بنوكٌ مثل بنك أبوظبي التّجاريّ بتقديم عيديّاتٍ موحّدةٍ لجميع الموظّفين، ما يُظهر توجّهاً نحو العدالة الأفقيّة في الحوافز. [8]

مصر

في مصر، تُمارس العيديّة على نطاقٍ واسعٍ داخل الهيئات الحكوميّة وشركات القطاع العامّ، بينما تختلف الممارسة في القطاع الخاصّ بحسب حجم المؤسّسة وقدرتها الماليّة. في بعض الجهات، تُقدَّم مبالغ مقطوعة تتراوح من بضع مئاتٍ من الجنيهات إلى راتب شهرٍ كاملٍ.

ومن الأمثلة، صرفت هيئة السّكك الحديديّة 750 جنيهاً كعيديّةٍ سنويّةٍ لعمّالها، في حين تلجأ بعض الوزارات إلى مبالغ رمزيّة. أمّا في القطاع الخاصّ، فقد تُمنَح العيديّة كنسبةٍ من الرّاتب، أو كمبلغٍ تقديريٍّ بحسب الأداء العامّ. [9]

هذه الممارسة تعكس توقّعاً ثقافيًّا متجذّراً في ما يُعرف بـ"المنحة"، والّتي باتت كلمةً قرينةً للأعياد، ويترقّبها الموظّفون كتعبيرٍ عن التّقدير، لا كحافزٍ استثنائيٍّ.

الأردن

في الأردن، لا يُعدّ تقديم العيديّة المؤسّسيّة ممارسةً ثابتةً، سواءٌ في القطاع العامّ أو الخاصّ، لكن ظهرت مبادراتٌ حكوميّةٌ موسميّةٌ تحت اسم "مكرماتٍ ملكيّةٍ"، كما حدث في عامي 2020 و2021، حين تمّ صرف 100 دينارٍ لكلّ موظّفٍ حكوميٍّ ومتقاعدٍ. [5] [11]

في المقابل، لا يقدّم القطاع الخاصّ العيديّات بانتظام، وقد تعرّض لهذا النّّقص بالنّّقد في وسائل الإعلام المحلّيّة، الّتي دعت الشّركات إلى الاقتداء بالحكومة في خلق أجواءٍ داعمةٍ في الأعياد.

المغرب

في المغرب، لا تُعتبر العيديّة المؤسّسيّة ممارسةً شائعةً، لا في القطاع العامّ ولا الخاصّ. وبدلاً منها، تُركّز السّياسات العموميّة على العُطل الرّسميّة. وفي خطوةٍ لافتةٍ عام 2023، منحت الحكومة يوم عطلةٍ إضافيّاً بمناسبة عيد الأضحى، اعتُبر بمثابة تعويضٍ رمزيٍّ عن غياب الحوافز الماليّة. [12]

وتقوم بعض المؤسّسات الخاصّة بلفتاتٍ رمزيّةٍ كتوزيع الحلوى أو التّهاني، دون تقديم مكافآتٍ ماليّةٍ ملموسة. [12]

بقية دول الخليج

في دول الخليج الأخرى، مثل الكويت، وقطر، والبحرين، وسلطنة عُمان، تختلف الممارسات بحسب طبيعة المؤسّسة والقطاع. بعض الحكومات تعلن مكافآتٍ رسميّةً في الأعياد، بينما تلجأ الشّركات الخاصّة إلى تقديم هدايا رمزيّةٍ أو قسائم شرائيّةٍ أو حوافز نقديّةٍ متقطّعةٍ، دون وجود نمطٍ موحّدٍ.

تُبيّن هذه الفروقات أنّ العيديّة المؤسّسيّة ليست مجرّد تقليدٍ اجتماعيٍّ، بل أداةٌ ترتبط بثقافة العمل والسّياسات الاقتصاديّة لكلّ بلدٍ. وهي، حين تغيب، تُثير تساؤلاتٍ حول التّقدير، وحين تحضر، تُعطي المؤسّسة صوتاً إنسانيّاً أعلى من خطاب الأرقام.

أنماط العيديّة بوصفها بوصلةً لهويّة الشّركات

لم تعُد العيديّة في بيئة العمل تقتصر على المبلغ النّّقديّ داخل الظّرف، بل شهدت تطوُّراً في الشّكل والمضمون، يتناسب مع تنوُّع المؤسّسات، واختلاف ثقافاتها المنظّميّة، ومواردها الماليّة. فما بين مكافآتٍ ماليّةٍ مباشرةٍ، وهدايا عينيّةٍ، وقسائم شراءٍ، بل وحتّى إجازاتٍ إضافيّةٍ، نجد خارطةً واسعةً من التّطبيقات الّتي تعبّر كلٌّ منها عن رؤية المؤسّسة تجاه موظّفيها.

المكافآت النّّقديّة المباشرة

يُعدّ هذا النّّوع أكثر أشكال العيديّة شيوعاً، حيث تقوم المؤسّسة بصرف مبلغٍ ماليٍّ إضافيٍّ للموظّف، يُحتسب إمّا كنسبةٍ من الرّاتب (كربع أو نصف راتب)، أو كمبلغٍ ثابتٍ موحَّدٍ للجميع.

في السّعوديّة، تُقدِّم العديد من الشّركات راتب شهرٍ كاملٍ كعيديّةٍ، لا سيّما في عيد الفطر، وهو ما يُعدّ عرفاً راسخاً في بيئة العمل. وفي الإمارات، خطف بنك أبوظبي التّجاريّ الأنظار حين أعلن عن توزيع عيديّةٍ موحَّدةٍ بقيمة 10,000 درهمٍ على جميع الموظّفين، من أعلى المناصب إلى أقلّها، ما عُدّ خطوةً نوعيّةً في تكريس العدالة داخل بيئة العمل.

مشاركة الأرباح ومكافآت الأداء

في الشّركات الكبرى الّتي تعتمد على نظام المكافآت المرتبط بالأداء، تُحوَّل العيديّة من تقليدٍ موسميٍّ إلى حافزٍ استراتيجيّ. تُمنح المكافآت استناداً إلى النّّتائج السّنويّة أو نموّ الأرباح، ما يُعزّز من منطق العدالة الإنتاجيّة. [13]

مثالٌ على ذلك: أعلنت شركة (Sobha Group) في دبي مطلع عام 2025 عن منح موظّفيها مكافآتٍ إجماليّتها 150 مليون درهمٍ، تعبيراً عن الامتنان لأدائهم خلال عام 2024. وبالمثل، تلتزم (طيران الإمارات) سنويًّا بتقديم مكافآتٍ ضخمةٍ لطاقمها؛ ففي عام 2023، تلقّى أكثر من 50 ألف موظّفٍ مكافآتٍ تعادل 24 أسبوعاً من الرّاتب، بعد عامٍ من الأرباح القياسيّة. [14]

قسائم الشّراء والهدايا العينيّة

تلجأ بعض المؤسّسات إلى تقديم العيديّة في صورة قسائم شرائيّةٍ أو سِلال هدايا رمزيّة، سواء لأسبابٍ ماليّةٍ أو كجزءٍ من ثقافة الشركة.

فقد يحصل الموظّف على بطاقة تسوّقٍ قابلةٍ للاستخدام في متاجر معيّنة، أو صندوقٍ يحوي حلويات العيد أو منتجاتٍ رمزيّةً تعبّر عن أجواء المناسبة. في مصر، على سبيل المثال، وُثّقت حالاتٌ تمّ فيها استبدال العيديّة النّّقديّة بعلبة حلوى أو كعكٍ، خصوصاً في المؤسّسات الّتي تعاني من ضعف الميزانيّة.

الإجازات والعُطل الإضافيّة

ثمّة مؤسّساتٌ تُدرك أنّ ما يحتاجه الموظّف ليس دائماً المال، بل الوقت. ولهذا، تمنحه يوم إجازةٍ إضافيّاً، أو تُقلِّص ساعات الدّوام في نهاية رمضان. في المغرب، مثلاً، منحت الحكومة في عام 2023 يوم عطلةٍ استثنائيّاً بمناسبة عيد الأضحى، ما أضفى طابعاً خاصًّا من التّقدير على المناسبة. [12]

خامساً: المسابقات والسّحوبات

في بعض بيئات العمل ذات الطّابع الحيويّ، تُقدَّم العيديّة ضمن مسابقاتٍ داخليّةٍ أو سحوباتٍ عشوائيّةٍ، تُنظَّم خلال حفلات المعايدة. قد يفوز بعض الموظّفين بجوائز ماليّةٍ أو أجهزة إلكترونيّةٍ أو رحلاتٍ، في حين تُمنح بقيّة الطّاقم هدايا رمزيّةً. هذا النّّمط يُضفي طابعاً مرحاً، ويُعزّز من روح الفريق والتّفاعل الجماعيّ.

ماذا يُحدِّد نوع العيديّة؟

يخضع نوع العيديّة الّتي تقدّمها المؤسّسة لعوامل متعدّدة، أهمّها:

  • حجم المؤسّسة وقدرتها الماليّة: فالشّركات النّّاشئة قد تميل للهدايا الرمزيّة، بينما تستطيع الشّركات الكبرى تقديم مكافآتٍ مجزية.

  • ثقافتها المنظّميّة: بعض المؤسّسات تضع التّقدير الإنسانيّ في قلب ثقافتها، فتُبدع في أسلوب التّقديم.

  • نوع القطاع: القطاعات الحكوميّة أو شبه الحكوميّة تميل إلى النّّمط الموحّد، بينما يتمتّع القطاع الخاصّ بهامشٍ أوسع من التّجريب.

في كلّ الأحوال، تبقى العيديّة، مهما اختلف شكلها، رسالةً تعبّر عن تقديرٍ واهتمامٍ واعترافٍ بجهود الموظّف، وهذه الرّسالة، حين تصل، يكون صداها أبلغ من أيّ مبلغ.

العيديّة من منظور الموظّف: توقّعات وسلوكيات

ليست العيديّة مجرّد مبادرةٍ إداريّةٍ من طرفٍ واحدٍ، بل علاقةٌ متبادلةٌ تُبنى عاماً بعد عامٍ بين المؤسّسة وموظّفيها، ويغذّيها التّوقّع والإيفاء. في العالم العربيّ، بات الموظّفون ينظرون إلى العيديّة لا كهديّةٍ عابرةٍ، بل كجزءٍ من "العقد النّّفسيّ" الّذي يربطهم بجهة العمل، ويقيسون من خلاله مستوى التّقدير والثّقة والاهتمام. [5]

التّوقّع

تشير عدّة استطلاعاتٍ حديثةٍ إلى أنّ غالبيّة الموظّفين العرب ينتظرون من مؤسّساتهم تقديم مكافأةٍ أو عيديّةٍ في الأعياد. ففي الإمارات، أظهر استطلاعٌ أنّ 75% من العاملين يتوقّعون الحصول على مكافأةٍ سنويّةٍ، تُدرج ضمنها بطبيعة الحال الحوافز الموسميّة. أمّا في مصر، فقد التصق مصطلح "المنحة"، الّذي يُرمز به إلى العيديّة، بموسمَي العيدين، إلى درجةٍ تجعل غيابها موضع استياءٍ واضحٍ. [15]

هذا التوقّع ينبع من ثقافة المؤسّسة وسوابقها؛ فالموظّف الجديد في شركةٍ اعتادت على تقديم العيديّة، سيُفترض تلقائيًّا أنّه سيحظى بها هو أيضاً. وحين تتحقّق هذه التوقّعات، تنشأ دائرةٌ إيجابيّةٌ من الرّضا والانتماء، تتكرّس مع مرور الوقت.

السّلوك

أثبتت دراساتٌ عديدةٌ أنّ تقديم العيديّة يعزّز من الولاء المؤسّسيّ، ويُشعر الموظّف بأنّه مرئيٌّ ومُقدَّرٌ، لا سيّما في بيئات العمل الّتي لا تمنح التّقدير المعنويّ بشكلٍ يوميّ. فالموظّف الّذي يتلقّى مكافأةً في وقتٍ رمزيٍّ كالعيد، يَختبر نوعاً من "الرّباط العاطفيّ" مع المؤسّسة، ويشعر بدافعٍ داخليٍّ لردّ الجميل.

وقد أشارت إحدى الدّراسات إلى أنّ تقديم العيديّة يزيد من احتماليّة بقاء الموظّف في عمله بنسبةٍ تتجاوز 20%، مقارنةً بمؤسّساتٍ لا تُقدِّم حوافز موسميّة. والسبب في ذلك أنّ التّقدير، حين يُعبّر عنه ماديّاً في لحظةٍ وجدانيّةٍ كالعيد، يتحوّل إلى التزامٍ غير مكتوبٍ. [2] [5]

في المقابل، فإنّ عدم تقديم العيديّة، لا سيّما في مؤسّسةٍ اعتادت على ذلك، قد يُفسَّر من قبل الموظّف على أنّه تجاهلٌ أو انتقاصٌ. وهذا ما حدث، مثلاً، في البحرين، حين توقّفت جهةٌ رسميّةٌ عن تقديم "راتب الشّهر العيديّ" بعد سنواتٍ من الممارسة، فعبّر الموظّفون عن استيائهم، وسجّلت المؤسّسة انخفاضاً في مؤشّرات الرّضا الوظيفيّ. [2]

فالتوقّع، حين لا يُلبَّى، يُنتج مشاعر إحباطٍ تتجاوز القيمة الماليّة نفسها، وقد تؤثّر على أداء الموظّف، أو تدفعه للبحث عن بيئة عملٍ تُقدِّره بشكلٍ أفضل.

ثمّة حلقةٌ إيجابيّةٌ تظهر بوضوحٍ في المؤسّسات الّتي تُحسن توظيف العيديّة ضمن استراتيجيّة التّقدير: الموظّف يبذل جهداً، يُكافأ في العيد، يشعر بالامتنان، فيزيد التزامه وأداؤه، فتتكرّس الثّقة، وتتكرّر الدّائرة.

ينبغي ألّا تُفهم العيديّة على أنّها حلٌّ شاملٌ لمشاكل الرّضا أو الولاء الوظيفيّ، بل يجب أن تكون جزءاً من منظومةٍ أوسع من التّقدير المستمرّ. فإذا كانت العيديّة الوحيدة الّتي يحصل عليها الموظّف هي الّتي تأتي مرّةً كلّ عامٍ، فإنّها، وإن كانت قيّمة، قد لا تُحدث الأثر المرجوّ بمفردها.

لهذا، تُوصي إدارات الموارد البشريّة بأن تُدمَج العيديّة ضمن "خريطة الاعتراف بالجهد"، إلى جانب أدواتٍ أخرى كالتّغذية الرّاجعة الإيجابيّة، ومكافآت الأداء، والفرص التّطوّريّة.

ومع ذلك، تبقى العيديّة لحظةً سنويّةً ذات طاقةٍ رمزيّةٍ عاليةٍ، قادرةً على تجديد العلاقة بين المؤسّسة وموظّفيها بلحظةٍ واحدةٍ تقول فيها الإدارة: "نراك… ونشكرك… ونحتفل بك."

آخر تحديث:
تاريخ النشر: