من الاستقلال إلى الاندماج: لماذا اختارت Chain Reaction الانضمام إلى Publicis؟
حين تتحوّل الوكالات الرقميّة من مسار الاستقلال إلى الاندماج، تبرز تحدّيات التّوسّع والحاجة إلى قدراتٍ أعمق وتقنياتٍ أرقى لدعم النّموّ وتحقيق حضورٍ أوسع في أسواقٍ أكثر تنافسيّةً
حين أسّس سيف جراد شركة "تشين رياكشن" (Chain Reaction) في دولة الإمارات قبل 15 عاماً، كانت رؤيته واضحة المعالم: إنشاء وكالةٍ رقميّةٍ تستمدّ قوّتها من فَهمٍ عميقٍ لخصوصيّة المنطقة، وقادرةٍ في الوقت نفسه على الوقوف جنباً إلى جنبٍ مع أفضل الوكالات العالميّة. واليوم، وقد بات سيف الرّئيس التّنفيذيّ لـ"تشين رياكشن"، يمكنه أن يقول بثقةٍ إنّه بلغ ما سعى إليه؛ فشركته لم تترسّخ فقط كإحدى أبرز الوكالات المستقلّة سمعةً واحتراماً في الشّرق الأوسط، بل استحوذ عليها أيضاً في سبتمبر الماضي الفرع الإقليميّ لعملاق الإعلانات العالميّ "ببليسيس غروب" (Publicis Groupe).
بالنّسبة إلى سيف، لا يُمثّل هذا المنعطف نهاية المسار بقدر ما يُجسّد مرحلة تطوّرٍ طبيعيّةً نحو المستقبل الّذي تخيّله لوكالته الرّقميّة المتكاملة؛ فقال في حديثه إلى "عربية Inc.": "كانت رحلة الأعوام الخمسة عشر الماضية مذهلةً بحقّ؛ إذ بدأنا من الصّفر في بناء واحدةٍ من أكثر الوكالات احتراماً في المنطقة، وسط تحوّلاتٍ متسارعةٍ في التّكنولوجيا والإعلام ورأس المال البشريّ. وعلى المستوى الشّخصيّ، لم أنمُ كرائد أعمالٍ فحسب، بل كقائدٍ تعلّم كيف يتكيّف ويُلهم ويُنمّي العمل بغايةٍ واضحةٍ. ولكن في لحظةٍ ما، تدرك أنّ بلوغ النموّ المنشود يتطلّب التّفكير بما يتجاوز حدود الاستقلاليّة. وقد أصبح واضحاً لنا أنّ علينا أن نحلم أكبر؛ فعملاؤنا باتوا أكثر عولمةً، ويتطلّبون قدراتٍ أعمق في تحليل البيانات، وبنيةً تقنيّةً أقوى، وحضوراً عالميّاً أوسع؛ كلّ ذلك مع الحفاظ على المرونة والثّقافة التي صنعت هويّتنا. وهنا يأتي دور مجموعة "ببليسيس غروب" الّتي تمنحنا هذا البُعد من الاتّساع والرّقيّ، مع إبقاء الرّوح الرّياديّة لشركة "تشين رياكشن" نابضةً كما كانت".
تتجلّى وحدة الرّؤية بوضوحٍ في الطّريقة التي وصف بها باسل قاقيش، الرّئيس التّنفيذيّ لمجموعة "ببليسيس غروب" في الشّرق الأوسط وتركيا، صفقة الاستحواذ، مشيراً إلى أنّها تعزّز نموذج المجموعة المعروف باسم (Power of One)، القائم على دمج الإبداع والإعلام والتّكنولوجيا في منظومةٍ واحدةٍ متكاملةٍ تستجيب بفاعليّةٍ أكبر لاحتياجات العملاء المتغيّرة.
يقول باسل: "قدّمت شركة "تشين رياكشن" ثلاثة عناصر أساسيّةً تُمثّل جوهر الاتّجاه الذي تسير نحوه أسواق منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا: خبرةٌ عميقةٌ في الأداء، ومرونةٌ عاليةٌ في التّنفيذ على نطاقٍ واسعٍ، وعقليّةٌ تضع المنطقة في صدارة أولويّاتها. ومع أكثر من 190 خبيراً رقميّاً في مجالات التّسويق بالأداء والمحتوى وتصميم التّجربة، تُوسّع هذه الصّفقة قاعدة مواهبنا بشكلٍ ملموس، وتعزّز قدراتنا في تحقيق نموٍّ قابلٍ للقياس وتأثيرٍ تجاريٍّ حقيقيٍّ لعملائنا. كما أنّ فريقهم يُتقن صناعة النّتائج، وقد أثبت كفاءته عبر قطّاعاتٍ وأسواقٍ متعدّدةٍ. وبالنّسبة إلينا، لم يكن الاستحواذ مجرّد خطوةٍ لتوسيع النّطاق، بل مسألةَ توقيتٍ دقيق؛ إذ تدخل المنطقة مرحلةً جديدةً يتزايد فيها طلب العملاء على حلولٍ متكاملةٍ موجّهةٍ نحو النّتائج. وهنا، تُعزّز "تشين رياكشن" نموذجَنا (Power of One)، وتتكامل مع رؤيتنا الإعلاميّة الموحّدة، بما يُتيح لنا تقديم قيمةٍ أعظم لعملائنا عبر تفكيرٍ موحّدٍ قائمٍ على الأداء".
كما يشير سيف جرّاد إلى الأثر الأوسع الّذي يمكن أن يُحدثه استحواذ مجموعة "ببليسيس غروب" على شركة "تشين رياكشن" في منظومة التّسويق الإقليميّة برمّتها؛ فيقول: "تزخر المنطقة بطاقةٍ إبداعيّةٍ مذهلةٍ وبمواهب قادرةٍ على المنافسة في السّاحة العالميّة، غير أنّها تعاني غالباً من التشتّت؛ بين الإعلام والإبداع، بين الأداء والعلامة التّجاريّة، بين الفهم المحلّيّ والتكنولوجيا العالميّة. وهذه الشّراكة تُجسّر تلك الفجوات، إذ تُمكّننا من الجمع بين سرعة الأداء وعمق الثّقافة ودافع الإنجاز وقربنا من العملاء، وهي سمات الوكالات الإقليميّة، وبين قوّةٍ واحدةٍ من أكثر منظومات البيانات والتّكنولوجيا تطوّراً في العالم. وبالنّسبة إلى عملائنا المحليّين والإقليميّين، فإنّ ذلك يعني استراتيجيّاتٍ أكثر دقّةً، وسرداً أكثر تكاملاً، وأداءً قابلاً للقياس عبر كلّ القنوات. أمّا على مستوى المنطقة، فهو برهانٌ كبيرٌ على أنّ وكالةً محلّيّة النّشأة يمكنها أن تنافس، بل أن تتقدّم الصّفوف، في الساحة العالميّة".
ومن جهته، يرى باسل، أنّ هذه اللّحظة تمثّل جزءاً من تحوّلٍ أكبر في مشهد التّسويق الإقليميّ؛ فيشارك رؤيته قائلاً: "ما يبعث على الحماسة هو سرعة تطوّر المنطقة، وكيف تتغيّر توقّعات العملاء معها؛ فالتحوّل القادم يتشكّل بالفعل من خلال الإعلام التّجاريّ في التّجزئة؛ فكلّ علامةٍ تجاريّةٍ، وكلّ عميلٍ، بدأ يأخذ زمام تفعيل حملاته بنفسه، وهو ما يعيد تشكيل طريقة تواصل الإعلام والتّجارة والإبداع معاً. وفي الوقت نفسه، تضيف تقنيات الذّكاء الاصطناعيّ التّوليديّ طبقةً جديدةً إلى منظومة الأداء، ما يساعدنا على الاقتراب من الوعد الّذي طالما قدّمته هذه الصّناعة: التّخصيص الفائق على نطاقٍ واسعٍ، ولكن بطريقةٍ قابلةٍ للتّحقيق ومستدامةٍ وقابلةٍ للقياس. وهنا يكمن التّحوّل الحقيقيّ، ونحن نضع أنفسنا تماماً في قلب هذا التّحوّل".
بينما يترقّب سيف مستقبل "تشين رياكشن" تحت مظلّة مجموعة "ببليسيس غروب"، يرى في هذه المرحلة فرصةً لمشاركة ما تعلّمه مع روّاد الأعمال الّذين يسعون إلى استخدام الاستحواذات كوسيلةٍ للنّموّ وتوسيع أعمالهم؛ فيقول: "عليك أن تفكّر دائمًا كالمؤسّس، وفي الوقت نفسه تتصرّف كرئيسٍ تنفيذيٍّ. فالاستحواذ لا يشكّل نهاية الطّريق، بل يمكن أن يكون نقطة انطلاقٍ متسارعةً نحو آفاقٍ جديدةٍ. وما يضمن نجاح هذه الخطوة هو التّوافق الحقيقيّ بين القيم المشتركة، والقدرات التّكامليّة، ورؤية واضحة لمستقبل فريقك. علّمتني تجربتي كرائد أعمالٍ وحيدٍ الاعتماد على الذّات، لكن القيادة الحقيقيّة تعني معرفة الوقت المناسب للتّعاون واتّخاذ القرارات المشتركة. فالصّفقة الصّحيحة هي الّتي تمضي بك وبفريقك وبعملائك خطوةً في طريق الغاية، لا تلك الّتي تُضيف رقماً جديداً إلى ميزانك الماليّ. عند هذه النقطة، لا يمكن اعتبارها خروجاً من السّوق، بل تحوّلاً وتطوّراً حقيقيّاً لمسار الشّركة".