تحركات جريئة من OpenAI تهدد العمالقة: هل بدأت المعركة؟
مؤشّراتٌ جديدةٌ ترسم ملامح توسّعٍ طموحٍ يكسر الحواجز التّقليديّة، ويُعيد رسم خريطة النّفوذ وسط صراعٍ محتدمٍ على مستقبل الذكاء الاصطناعي والتّصفح

منذ أيّامٍ، ظهرت تحرّكاتٌ مثيرةٌ من شركة الذكاء الاصطناعي الأشهر في العالم "أوبن إيه آي" (OpenAI)، قد تعني أنّها تستعدّ للدّخول في منافسةٍ مباشرةٍ مع عملاء التّكنولوجيا مثل "غوغل" (Google)، و"ميتا" (Meta)، و"إكس" (X) (تويتر سابقاً)، وربّما حتّى "آبل" (Apple).
في تقريرٍ نشرته منصّة "ذا فيرج" (The Verge) الأسبوع الماضي، تبيّن أنّ أوبن إيه آي تعمل على بناء شبكة تواصلٍ اجتماعيٍّ يمكن أن تكون مدموجةً داخل "شات جي بي تي" (ChatGPT) نفسه. ورغم أنّ الشّركة لم تصدر أيّ بيانٍ رسميٍّ يؤكّد أو ينفي هذه الأنباء، فإنّ قناة "سي إن بي سي" (CNBC) أكّدت بدورها صحّة المعلومات، موضّحةً أنّ المشروع لا يزال في مراحله الأوّليّة.
لم تتوقّف المفاجأة عند هذا الحدّ؛ ففي جلسة استماعٍ قانونيّةٍ لقضيّة الاحتكار المرفوعة ضدّ غوغل، أدلى مسؤولٌ من أوبن إيه آي بشهادةٍ قال فيها إنّ الشّركة مهتمّةٌ بشراء متصفّح "كروم" (Chrome) في حال أجبرت غوغل على بيعه.
حيث تسعى وزارة العدل الأمريكيّة إلى فرض تفكيك غوغل وفصل المتصفّح الأكثر استخداماً على مستوى العالم عن الشّركة، في خطوةٍ تهدف إلى كسر هيمنتها على سوق البحث. وعندما طرح السّؤال على نيك تورلي، رئيس المنتجات في أوبن إيه آي، عمّا إذا كانت شركته ستسعى لشراء كروم، أجاب ببساطةٍ: "نعم، سنفعل، وكذلك العديد من الجهات الأخرى".
ما حدث خلال 10 أيّامٍ فقط يشير إلى أنّ أوبن إيه آي بدأت بالفعل تلوّح بمنافسة كبرى شركات التّكنولوجيا. وإلى جانب اهتمامها ببناء شبكةٍ اجتماعيّةٍ، ونيّتها الدّخول في مزادٍ محتملٍ لشراء كروم، هي أيضاً تنشط على منصّة إكس، الّتي يستخدمها سام ألتمان بنفسه بكثافةٍ لنشر تحديثات ومحتويات الشّركة. حتّى شركة آبل، رغم شراكتها مع أوبن إيه آي، ليست بعيدةً عن خطّ المنافسة، فهي تملك "سفاري" (Safari)، أحد أكبر منافسي كروم، ممّا يجعلها جزءاً من المعادلة.
هل ألتمان جادٌّ أم فقط يشاكس؟
من المعروف عن سام ألتمان، الرّئيس التّنفيذيّ لأوبن إيه آي، أنّه لا يخلو من روح الدّعابة والمشاغبة التّقنيّة بمنافسيه. ففي مناسبةٍ سابقةٍ، ردّ ساخراً على عرض إيلون ماسك لشراء أوبن إيه آي، بعرضٍ مضادٍّ لشراء منصّة إكس نفسها -الّتي اشتراها ماسك بـ44 مليار دولارٍ- مقابل 9 ملياراتٍ فقط!
كما أبدى في أكثر من تصريحٍ إدراكه الكامل للانتقادات الموجّهة إلى شركته، خصوصاً بشأن نظام التّسمية الغريب لمنتجاتها، وقال ساخراً إنّ الفريق يستحقّ السّخرية الّتي يتلقّاها، مع وعدٍ بتنظيف الأسماء بحلول الصّيف. ورغم عدم وضوح مدى جدّيّة أوبن إيه آي في بناء شبكةٍ اجتماعيّةٍ، إلّا أنّ فكرة وجود منصّةٍ داخليّةٍ للمحتوى الّذي ينتج عبر شات جي بي تي ليست بعيدةً عن الواقع؛ فألتمان شخصيّاً يستخدم إكس للإعلان عن المنتجات، والمستخدمون يشاركون عليه ما يصنعونه باستخدام شات جي بي تي. لذا، وجود واجهةٍ اجتماعيّةٍ مدموجةٍ داخل المنتج قد يكون خطوةً منطقيّةً لتعزيز الاستخدام والتّفاعل.
لكن إذا كانت فكرة الشّبكة الاجتماعيّة تحمل طابعاً طموحاً وغامضاً، فإنّ فكرة شراء كروم أكثر واقعيّةً واستراتيجيّةً. إذ يمنح دمج شات جي بي تي داخل المتصفّح الأكثر استخداماً في العالم، أوبن إيه آي قناة توزيعٍ ضخمةً ويحلّ أحد أكبر تحدّياتها: زيادة عدد المستخدمين. ومن جهة المستخدم، سيكون من المنطقيّ استخدام شات جي بي تي لتحليل الصّفحات أو طرح الأسئلة مباشرةً من شريط التّصفّح. وبدلاً من تثبيت إضافاتٍ تجعل شات جي بي تي محرك البحث الافتراضيّ، سيكون إدماجه في صلب المتصفّح نفسه بمثابة "الهدف الأسمى" كما يقول البعض.
لا نعرف كم سيكلّف شراء كروم إذا أُجبرت غوغل على التّخلّي عنه، ولكن هناك تقديراتٌ تتحدّث عن 30 مليار دولارٍ أو أكثر. ومع ذلك، من المؤكّد أنّ ألتمان لديه الوسائل لجمع هذا المبلغ، خصوصاً في ظلّ الدّعم الهائل الّذي تتلقّاه أوبن إيه آي من شركاء مثل "مايكروسوفت" (Microsoft).
الشّركة الوحيدة الّتي ستتضرّر بشكلٍ واضحٍ من هذه الصّفقة المحتملة هي غوغل؛ فامتلاكها للمتصفّح كروم يضمن بقاء محرّك بحثها في موقع الصّدارة، ويمنع المنافسين من السّيطرة على نقطة الانطلاق في تجربة التّصفّح. وفصل كروم عن غوغل قد يعني خسارة هذا الاحتكار.
سواءٌ حدثت أم لا... هذه خطوةٌ ذكيّةٌ من ألتمان؛ فحتّى لو لم تطلق أوبن إيه آي شبكتها الاجتماعيّة، ولم تكمل عمليّة الاستحواذ على كروم، لكنّها نجحت في توجيه رسالةٍ واضحةٍ لمنافسيها: نحن قادمون. وقد تكون هذه التّحرّكات -وإن لم تُنفّذ أبداً- واحدةً من أذكى المناورات الّتي قامت بها أوبن إيه آي حتّى الآن، ليس لأنّها تحقّق مكاسب فوريّةً، بل لأنّها تربك الخصوم وتُعيد ترتيب موازين القوى في وادي السّيليكون.
شاهد أيضاً: OpenAI تبدي اهتماماً بشراء متصفح Chrome