الذكاء الاصطناعي يغيّر قواعد التسويق في قطاع التجزئة
يفتح التّحليل الذّكي للبيانات آفاقاً جديدةً أمام العلامات التّجاريّة، حيث تتحوّل استراتيجيّات التّسويق إلى تجارب شخصيّةٍ أكثر دقّةً، تُعزّز التّفاعل وتدفع النّموّ

بفضل الذكاء الاصطناعي، أصبحتُ مستهلكاً أكثر وعياً؛ فقبل شراء أيّ منتجٍ جديدٍ، أتصفّح وأضغط على مختلف الخيارات لتخفيف قلق اتّخاذ القرار، إذ لا أرغب في إهدار المال. لهذا السّبب، أستفيد من ابتكارات الذكاء الاصطناعي الّتي تمتدّ من الصّفحات المخصّصة وحتّى التّجارب المفيدة الّتي يعزّزها برنامج الواقع المعزّز.
يعلم تجّار التّجزئة ذلك جيّداً؛ لذا دمج العديد منهم تقنيّات الذكاء الاصطناعي في استراتيجيّاتهم التّسويقيّة بهدف السّيطرة على أكبر قدرٍ ممكنٍ من رحلة العميل الشّرائيّة ومنع فقدان المبيعات. على سبيل المثال، نجد منصّة "سبوتيفاي" (Spotify) الّتي تعتمد على ابتكارات الذكاء الاصطناعي في تفاعلها مع العلامات التّجاريّة منذ عدّة سنواتٍ.
فمنذ اللّحظة الّتي يُظهر فيها العميل اهتمامه بالعروض المقدّمة على سبوتيفاي، يبدأ "دي جي الذكاء الاصطناعي" في تفعيل سحره؛ إذ تُغذّى أنظمة سبوتيفاي ببياناتٍ جديدةٍ مع كلّ خطوةٍ يقوم بها العميل. يعود هذا الأمر بالنّفع على المستهلك، حيث يتلقّى توصيات استماعٍ مخصّصةً باستمرارٍ.
لكن العبرة ليست في ضرورة تقليد تجّار التّجزئة لمنصّة سبوتيفاي، بل تكمن في الانفتاح على التّجديد والإبداع في استخدام تقنيّات الذكاء الاصطناعي، إذ أثبتت المنصّة نجاحها الكبير جزئيّاً بسبب هذا الانفتاح. بالإضافة إلى ذلك، توفّر أدوات الذكاء الاصطناعي اليوم فرصةً لا مثيل لها لتخصيص استراتيجيات التسويق على نطاقٍ واسعٍ، وهو أمرٌ يمثّل ميزةً غير مسبّقةٍ خصوصاً للشّركات النّاشئة. حتّى تجّار التّجزئة الّذين يمتلكون ميزانيّاتٍ تسويقيّةٍ محدودةٍ يمكنهم اعتماد بعض أفضل الأساليب الّتي يسهم فيها الذكاء الاصطناعي في نجاح العلامة التّجاريّة.
استخدام موقع المستهلك لتحفيز التفاعل
يمتلك معظم الأشخاص جهازاً معيّناً أثناء التّسوّق، ويمكن لتجّار التّجزئة استغلال هذه الأجهزة لتحفيز التّفاعل عبر أدوات ذكاء اصطناعي تُحدّد مدى قرب العميل من أقرب متجرٍ. فعند بدء تفاعلٍ رقميٍّ مع عميلٍ يتواجد بالقرب من المتجر، يتمكّن التّاجر من أن يكون الخيار الأوّل في ذهنه، ممّا يسهم في دفعه نحو الشّراء.
على سبيل المثال، استثمرت شركة "ستاربكس" (Starbucks) في منصّة "جينيسيس إكس" (Genesis X) المدعمة بالذكاء الاصطناعي. تستخدم المنصّة تقنيّات الذكاء الاصطناعي؛ لتعزيز تفاعل العميل داخل الموقع من خلال التّعرّف على قربه من أحد فروع ستاربكس، حيث تحدّد المنصّة العملاء المستهدفين وتزوّدهم تلقائيّاً بمحتوىً تفاعليٍّ، مثل الرّسوم البيانيّة والاختبارات المخصّصة وفق ملفّ كلّ عميلٍ، إلى جانب تقديم اقتراحاتٍ خاصّةٍ بـستاربكس. وأسفرت هذه الحملة عن زيادةٍ في المبيعات بنسبة 15%.
تساهم مثل هذه الاستراتيجيّات في جذب انتباه العميل في الوقت المناسب، إذ لا تقتصر على تنبيهه بوجود التّاجر فقط، بل تعمل أيضاً على تثقيفه حول الخيارات الشّرائيّة والعروض المتاحة. كما أنّها تتيح جمع بيانات الطّرف الآخر، ممّا يعزّز من كفاءة حلول الذكاء الاصطناعي كلّما زادت كمّيّة البيانات المتوفّرة.
2. توقع احتياجات العملاء المستقبلية من خلال تحليل المشتريات
حتّى أكثر فرق التّسويق خبرةً قد تجد صعوبةً في تفسير المعاني الكامنة وراء كمّيّات البيانات الهائلة، وهنا يأتي دور أدوات الذكاء الاصطناعي المتطوّرة الّتي باتت قادرةً على تحليل هذه البيانات وتوقّع احتياجات العملاء المستقبليّة بدقّةٍ مذهلةٍ.
تعدّ شركة "أمازون" (Amazon) المثال الأبرز لتجّار التّجزئة الّذين يعتمدون على قدرات التّنبّؤ بالذكاء الاصطناعي. وعند تصفّح موقع أمازون، تظهر لك خياراتٌ ومنتجاتٌ ذات صلةٍ، بالإضافة إلى فيديوهاتٍ ومراجعاتٍ وأوصافٍ للمنتجات. ولكن قدرة التّنبّؤ في أمازون تمتدّ إلى مستوىً أكثر تفصيلاً، إذ يمكن لنظام الذكاء الاصطناعي مساعدة العملاء في العثور على الأزياء الّتي تناسب مقاساتهم. وقد مكنت هذه الخاصّيّة أمازون من المنافسة في سوق الأزياء المزدحم من خلال إزالة الحواجز الّتي تؤثّر على رضا العملاء.
ومن البديهيّ أنّه كلّما تمكّن تجّار التّجزئة من مساعدة العملاء بشكلٍ أفضل، قلّ احتمال فقدانهم، ممّا يعزّز قيمة العميل على المدى الطّويل، ويحسّن سمعة العلامة التّجاريّة.
إرسال محتوى مولّدٍ بواسطة الذكاء الاصطناعي بلمسة إنسانية
باتت برمجيّات الذكاء الاصطناعي التوليدية أكثر كفاءةً مع مرور الوقت. ورغم أنّ المحتوى الّذي ينتجه الذكاء الاصطناعي قد لا يبدو طبيعيّاً دائماً، إلّا أنّه يقترب من ذلك، ويستطيع التّفاعل دون الحاجة إلى التّدخّل البشريّ. في الواقع، بإمكان بعض برمجيّات الذكاء الاصطناعي التوليدية المتقدّمة بدء محادثاتٍ مع العملاء وإدارتها بسلاسةٍ. ووفقاً لدراسةٍ أُجريت في عام 2024، تمكّن ستّة من كلّ عشرة أشخاصٍ فقط من التّمييز بين التّحدّث مع روبوت محادثةٍ مولّدٍ بواسطة الذكاء الاصطناعي والتّحدّث مع شخصٍ حقيقيٍّ.
وأظهر استطلاعٌ أجرته "إي ماركتر" (eMarketer) في عام 2023 أنّ العديد من المتخصّصين في تجربة العملاء يرون إمكانيّاتٍ كبيرةً للذكاء الاصطناعي التوليدي في تحسين دعم العملاء وزيادة المبيعات. فقد توقّع أكثر من نصف المشاركين أنّ روبوتات الدردشة الفوريّة والبريد الإلكترونيّ هي أدواتٌ تحويليّةٌ في عالم التّسويق خلال العامين المقبلين، وقد بدأت هذه التّوقّعات في التّحقّق بالفعل.
تكمن الفائدة الأساسيّة لهذا النّوع من واجهات الذكاء الاصطناعي في إمكانيّة توفير تفاعلٍ مستمرٍّ مع العملاء على مدار السّاعة طوال أيّام الأسبوع. كما يمكن تصميم روبوتات الدّردشة لتشجيع المبيعات المخصّصة أثناء تواصلها مع العملاء، ممّا يؤدّي إلى زيادةٍ ملحوظةٍ في المبيعات.
في الختام، يصعب التّنبّؤ بمستقبل حلول الذكاء الاصطناعي في مجال التّسويق لتجّار التّجزئة، ولكن من المؤكّد أنّ الذكاء الاصطناعي سيصبح العامل الفارق الّذي يميّز بين تجّار التّجزئة الّذين سينجحون، والّذين قد يختفون من السّوق.