الرئيسية المال الذكاء الاصطناعي يُعيد رسم خريطة الاستثمارِ في الشرق الأوسط

الذكاء الاصطناعي يُعيد رسم خريطة الاستثمارِ في الشرق الأوسط

صفقاتٌ، صناديقٌ، وصعودٌ إقليميٌّ لافت في مشهدٍ استثماريٍّ جديدٍ في المنطقة

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

تدفّقت الاستثمارات في أبريل 2025 نحو الشّركات النّاشئة في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرةٍ لافتةٍ، لكنّ ما ميّز هذا الشّهر حقّاً لم يكن فقط حجم الأموال، بل الوجهة: شركاتٌ تتّخذ من الذّكاء الاصطناعيّ حجر الأساس لمنتجاتها ونماذج أعمالها.

فبحسب بيانات "ومضة"، جمعت المنطقة ما مجموعه 228.4 مليون دولار أمريكي موزّعةً على 26 صفقةً خلال أبريل، أي بزيادةٍ قدرها 105% مقارنةً بشهر مارس، ونموٍّ سنويٍّ يقارب 300% مقارنةً بأبريل 2024 . [1]

اللافت في هذه البيانات أنّ جميع تلك التمويلات كانت عبر صفقات أسهمٍ، دون تسجيل أيّ جولة تمويلٍ بالدّين، ما يعكس مزيداً من الثّقة من قبل المستثمرين في قوّة الشركات النّاشئة وقدرتها على النّموّ والاستدامة .

السعودية تتصدّر... والإمارات ترسّخ نفوذها

تربّعت المملكة العربيّة السّعودية على قمّة مشهد التمويل الشّهريّ، بجمعها 158.5 مليون دولار عبر ثماني صفقاتٍ فقط، كانت أضخمها جولة ما قبل الطّرح العامّ الأوّليّ لشركة iMENA Group بقيمةٍ بلغت 135 مليون دولار . [1]

وفي المرتبة الثّانية، جاءت الإمارات العربيّة المتّحدة عبر تسع شركاتٍ ناشئةٍ نجحت في استقطاب 62 مليون دولار، بينما قفز المغرب إلى المركز الثّالث بجمعه 4 ملايين دولار من خلال شركتين فقط. أمّا مصر، فقد سجّلت تراجعاً واضحاً في الأداء، حيث لم تتجاوز القيمة الإجماليّة للتمويلات 1.5 مليون دولار توزّعت بين أربع شركاتٍ . [1]

لكن بعيداً عن التّصنيف الجغرافيّ، فإنّ التّحليل الأعمق يكشف أنّ عدداً ملحوظاً من تلك الصّفقات كان موجّهاً نحو شركاتٍ توظّف الذّكاء الاصطناعيّ ليس كأداةٍ تقنيّةٍ فحسب، بل كـمحرّكٍ أساسيٍّ للنّموّ ورافعةٍ تنافسيّةٍ.

الذكاء الاصطناعيّ في طليعة الصّفقات البارزة

1.  TruBuild، شركةٌ سعوديّةٌ تعالج الهدر في مشاريع البناء بالذّكاء الاصطناعيّ (تمويلٌ تأسيسيٌّ: 1 مليون دولار)

أعلنت شركة TruBuild السّعوديّة، المتخصّصة في تكنولوجيا البناء (ConTech)، حصولها على تمويلٍ تأسيسيٍّ بقيمة 1 مليون دولار. وتقدّم الشركة منصّةً ذكيّةً تستند إلى تقنيات الذّكاء الاصطناعيّ لتقليل الهدر وتحسين الكفاءة في إدارة المشاريع الإنشائيّة.

قاد الجولة الاستثمارية كلٌّ من واعد فنتشرز (ذراع رأس المال الجريء لـ"أرامكو")، ودار فنتشرز، بمشاركة صناديق مثل Plug and Play Ventures وشبكة عقال للاستثمار الملائكيّ .

الشّركة تحاول معالجة فجوةٍ ضخمةٍ تقدّر عالميًّا بـ1.6 تريليون دولار من الهدر في القطاع نتيجة ضعف التّخطيط وسوء التّنفيذ ، ما يجعل تقنيّتها الجذّابة هدفاً منطقيًّا لرؤوس الأموال الباحثة عن أثرٍ كبيرٍ وسريع العائد. [3]

2. ?STUCK – الذّكاءُ الاصطناعيُّ يُحرّرُ اللغةَ من قيودِها في السّعوديّة (تمويلٌ: ستُّ خاناتٍ بالدّولار)

تمكّنت منصّة ?STUCK، المتخصّصة في تقديم محتوى لغويٍّ ثنائيّ اللّغة (عربي–إنجليزي) بالاعتماد على الذّكاء الاصطناعيّ، من إغلاق جولة تمويلٍ ما قبل بذريّةٍ بمئات آلاف الدّولارات.

قاد الاستثمار صندوق Mena Tech Fund (المملكة المتّحدة)، وشاركت فيه KAUST Innovation Fund التابع لجامعة الملك عبدالله، إلى جانب عددٍ من المستثمرين السّعوديين .

تعتمد ?STUCK على نموذجٍ هجينٍ يجمع بين خوارزميّات الكتابة التلقائيّة المدعومة بالـ AI، والمراجعة البشريّة ذات الحسّ الثقافيّ العالي، ما يجعلها منصّةً مطلوبةً بشدّة في بيئة المحتوى الشّرقيّ. وقد حصلت على دعمٍ سابقٍ من برامج مثل Taqadam Accelerator ومنصّة 500 Global، ما عزّز ثقة المستثمرين بها . [4]

3. BloomPath، منصّةٌ هجينةٌ من وادي السيليكون وجذورٍ شرق أوسطيّةٍ تُعزّزُ إنتاجيّةَ الفرقِ الهندسيّةِ بالذّكاءِ الاصطناعيّ (تمويلٌ: 1.3 مليون دولار)

تمكّنت شركة BloomPath، التي أسّسها رائدان من منطقة الشرق الأوسط انطلقا من وادي السيليكون، من جمع تمويلٍ بقيمة 1.3 مليون دولار ضمن جولة ما قبل بذريّة، بقيادة RAED Ventures السّعوديّة، ومشاركة كلٍّ من Ulu Ventures (الولايات المتحدة)، وومضة كابيتال الإماراتيّة، إلى جانب +VC ومستثمرين ملائكيّين آخرين. [5]

تُقدّم BloomPath ما يُشبه "ساعة Apple في مكان العمل"؛ إذ توفّر منصّةً ذكيّةً تندمج في أدوات العمل اليوميّة للفرق الهندسية، لتُحلّل أنماط الأداء وتُرسل إشعاراتٍ وتوصياتٍ لحظيّة، تُعزّز إنتاجيّة الفرق، وتُمهّد لمسارات تطوير دائمة للموظفين باستخدام خوارزميّات تعلم الآلة.

هذا المزج بين التّقنيّة العميقة والخبرة العمليّة أتاح لها حجز مكانٍ استراتيجيٍّ في عقول المستثمرين، خصوصاً أنّها تمثّل نموذجاً واعداً لشركة "عالميّة الانطلاقة بجذورٍ إقليميّة"، وهو ما تُراهن عليه الصّناديق الإقليميّة اليوم بشكلٍ متزايد. 

4. VOVE ID، شركةٌ مغربيّةٌ تُعيد تعريف التحقّق الرّقميّ بالذّكاء الاصطناعيّ (تمويلٌ: غير مُعلن)

برزت شركة VOVE ID النّاشئة من المغرب كإضافةٍ نوعيّةٍ إلى مشهد الشّركات النّاشئة في أبريل، عبر إعلانها عن حصولها على استثمارٍ غير مُعلن من شبكة Baobab Network، ضمن برنامج تسريع الشّركات في القارة الأفريقيّة.

تُقدّم VOVE ID حلّاً ذكيّاً لعمليات التّحقّق من الهويّة (KYC)، يمكّن المستخدم من إنشاء "هويّةٍ رقميّةٍ آمنةٍ قابلةٍ لإعادة الاستخدام"، معزَّزةٍ بـالتحقّق البيومتريّ والتّعرّف الآليّ على الوثائق، لتُسهّل على الشركات الناشئة والمؤسّسات الماليّة التحقّق من العملاء خلال ثوانٍ.

المثير في النّموذج المغربيّ، أنّه لا يكتفي بتقليد حلولٍ أوروبيّة أو أمريكيّة، بل يُخاطب حاجات الأسواق المحليّة مباشرةً، مُستفيداً من الطفرات التّنظيميّة والطّلب المتزايد على الحلول السّريعة، بما يعكس نُضجاً في التّفكير الرّيادي المغربيّ يُمكن البناء عليه. [6]

5. HRA Experience، الإمارات | TravelTech وتقنيات Web3 | تمويل: 40 مليون دولار

رغم أنّ شركة HRA Experience لا تعتمد مباشرةً على الذكاء الاصطناعي، إلّا أنّ إدراجها هنا ضروري نظراً لحجم التمويل ودورها في رسم ملامح مستقبل التّقنيّة في المنطقة.

نجحت الشركة، التي تتّخذ من أبوظبي مقرّاً لها، في إغلاق صفقة تمويل خاصّة ضخمة بلغت 40 مليون دولار (حوالي 35 مليون يورو) من مستثمرٍ فرديٍّ في الإمارة، قُبيل إطلاقها العالمي.

تُوفّر HRA منصّة سفرٍ متكاملةً تعمل بتقنيات Web3، تُتيح للمستخدمين حجز الرّحلات والدّفع بالعملات الرقميّة ضمن منظومةٍ لا مركزيّة، ممّا يفتح الباب أمام موجة جديدة من الشّركات النّاشئة التي تدمج البلوك تشين، الذكاء الاصطناعي، وواجهات المستخدم الذّكيّة في منتجٍ واحد.

صفقةٌ بهذا الحجم تُعدّ الأكبر في أبريل، وقد دفعت قطاع TravelTech إلى صدارة القطاعات المموّلة، جنباً إلى جنب مع الفنتك والذكاء الاصطناعي. [7]

اتّجاهات عامّة: الذّكاءُ الاصطناعيُّ يتسيّدُ مشهدَ الاستثمارِ

عند النّظر إلى خارطة التّمويل في أبريل 2025، لا تظهرُ فقط زيادةٌ عدديّةٌ أو حجميّة، بل يُمكنُ رصد تحوّلٍ نوعيٍّ في المنطق الاستثماريّ ذاته. فالمالُ الذكيُّ اليوم لا يُطاردُ فقط الصّفقاتِ الكبيرةَ أو الأسواقَ الواسعةَ، بل يتتبّعُ الخوارزميّات.

وفي هذا السّياق، نلحظُ حضوراً لافتاً لحلول الذّكاءِ الاصطناعيِّ في قطاعاتٍ متنوّعة: من البناء (TruBuild)، إلى المحتوى اللغوي (?STUCK)، إلى إنتاجيّة فرق التطوير (BloomPath)، والتحقّق من الهويّات (VOVE ID).

حتّى في قطاع السّفر، الذي تقوده HRA Experience، يُمكننا تلمّس بوادر تقاطعٍ مع الذكاء الاصطناعي، ولو على مستوى واجهات الاستخدام أو تحليل البيانات.

سوق مبكّرة... بفرص ضخمة

تُظهر البيانات أنّ 20 من أصل 26 صفقةً كانت في مراحلها الأولى (بذريّة وقبل بذريّة)، بقيمة إجماليّة بلغت 49 مليون دولار، ما يدلّ على تعطّش المستثمرين لدعم شركاتٍ ما تزال في طور النشأة.

يتماشى هذا التوجّه مع النّسق العالمي: بحسب بيانات Crunchbase لعام 2024، استحوذت شركات الذّكاء الاصطناعي على نحو ثلث إجماليّ التمويلات الجريئة عالميّاً (أي ما يزيد عن 100 مليار دولار)، في نموٍّ بلغ 80% مقارنةً بعام 2023. [8]

لا يُعدُّ هذا الانفجار "ترنداً" عابراً، بل يعكس تحوّلاً عميقاً في فهم المستثمرين لدور الذّكاء الاصطناعي: لم يعد مجرّد ميزة، بل صار محرّكاً أساسيّاً لنموذج العمل نفسه.

لماذا يُغري الذّكاءُ الاصطناعيُّ رؤوسَ الأموال؟

1. سوق مشكلات قابلة للحلّ

ما من قطاعٍ إلّا ويعجّ بمشكلاتٍ مؤجّلةٍ، ضخمةٍ، باهظةِ التّكلفة، وعصيّةٍ على الحلول الكلاسيكيّة. يُقدّم الذكاء الاصطناعيّ، في نسخته الجديدة المعتمدة على النّماذج الكبيرة والتعلّم العميق، وعداً ملموساً لتفكيك هذه العقد.

تُخاطبُ شركة TruBuild مثلاً، معضلةً تُقدّر خسائرها عالميّاً بـ1.6 تريليون دولار سنويّاً بسبب التّأخير وسوء إدارة المشاريع الإنشائيّة. يجعل هذا الحجم من الأثر أيّ تحسّنٍ طفيفٍ في الأداء قابلاً لأن يُترجم إلى أرباحٍ ضخمة، وهو ما يُغري المستثمرين.

2. دعم حكوميّ واستراتيجيّ غير مسبوق

تُرسلُ منصّاتٌ مثل MGX الإماراتيّة (بحجم أصول يتجاوز 367 مليار درهم)، وبرامج مثل SDAIA وGAIA في السعوديّة، وصناديق الشّراكة مع الصّين في مصر، إشارةً قويّةً بأنّ حكومات المنطقة تراهن استراتيجيّاً على الذّكاء الاصطناعيّ كأحد أعمدة الاقتصاد المقبل. [11]

لا يقتصر هذا الدّعم على التّمويل، بل يشمل البنية التّحتيّة، والتّشريعات، والتّعليم، والابتكار المفتوح، ما يمنح المستثمرين ثقةً بأنّ البيئة مهيّأةٌ لولادة شركات كبرى من المنطقة.

3. طفرة عالميّة تُغيّر المعادلات

زادت النّماذج اللغويّة الكبيرة (LLMs) وتقنيات التّوليد (Generative AI) الذّكاء الاصطناعيّ قُرباً من الواقع. لم يعُد الحديث عن مستقبلٍ افتراضيّ، بل عن أدواتٍ فعليّة تُستخدَم يوميًّا في التّرجمة، والكتابة، والتّصميم، والتّحليل، واتّخاذ القرار.

تُدرك رؤوس الأموال هذا التّحوّل، ولذلك بدأت تُخصّص صناديق خاصّة للشّركات المبنيّة على الذّكاء الاصطناعيّ أولاً (AI-First Startups)، خصوصاً تلك التي تُوظّف النّماذج الحديثة بشكلٍ جوهريٍّ في منتجها الأساسيّ.

المشهدُ الإقليميُّ: السّعوديّةُ تُموِّل، والإماراتُ تُسرِّع، ومصرُ تُمهِّد

لا تكتملُ قراءةُ مشهدِ الاستثمارِ في شركاتِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ خلال أبريل 2025 دون تحليلٍ للدّورِ الذي تلعبُه القوى الإقليميّةُ الثّلاث الكبرى: السّعودية، الإمارات، ومصر. فكلُّ واحدةٍ منها تنهضُ بدورٍ مختلفٍ، وتُجسِّدُ مساراً مميّزاً في بناءِ منظومةٍ معرفيّةٍ وتقنيّةٍ داعمةٍ للابتكارِ في الذّكاءِ الاصطناعيّ.

السعوديّة: عملاقُ التّمويلِ الذّكيّ

احتلّت المملكةُ العربيّةُ السّعوديّة الصّدارة المطلقة في تمويلات أبريل، بجمعها 158.5 مليون دولار، وهو ما يُمثّل نحو 70% من إجماليّ تمويلات المنطقة خلال الشهر [1] . هذا التّفوّق ليس وليد الصّدفة، بل ثمرة سياساتٍ ممنهجةٍ واستراتيجياتٍ سياديّةٍ واضحة.

تتحرّك السّعودية ضمن رؤية 2030 لتكون مركزاً إقليميّاً للابتكار، وتُسخّر لذلك أدوات تمويلٍ ضخمة، يتقدّمها صندوق الاستثمارات العامّة (PIF)، وذراعه النّاشط سنابل للاستثمار، الذي قاد صفقاتٍ كبيرة مثل جولة iMENA. إلى جانب ذلك، يُفعّل ذراع "أرامكو" الاستثماري، واعد فنتشرز، استثمارات نوعيّة في الشركات التقنيّة، كما رأينا في صفقة TruBuild. [3]

ولا يتوقّف الدّعم عند التّمويل، بل يشملُ أيضاً البنية التّحتيّة التّنظيميّة، عبر مبادراتٍ مثل هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي SDAIA، ومسرّعة GAIA التي أُطلقت إقليميّاً بدعمٍ سعوديٍّ مباشر، وتجاوز حجم التزاماتها 1 مليار دولار. [11]

الملاحظة اللافتة في النّموذج السّعوديّ، أنّه لا يكتفي باجتذابِ الشّركاتِ الناشئة، بل يسعى إلى بناء شركات عملاقة محليّة ذات أثر عالميّ، تجمع بين البحث والتّطوير، وسدّ فجوات قطاعات حيويّة مثل الطّاقة، والبنية التّحتيّة، والتّعليم.

الإمارات: حاضنةُ الابتكارِ السّريع

في المرتبة الثّانية، تأتي الإماراتُ العربيّةُ المتّحدة، التي جمعت شركاتُها 62 مليون دولار، وبرزت كقوّة ناعمةٍ تؤسّسُ بيئةً مثاليّةً لـنموّ شركات الذكاء الاصطناعيّ من خلال تسهيل التّرخيص، وربط الشّركات بالمستثمرين، وتوفير منصّات حاضنة مثل Hub71 ومنطقة 2071. [9]

لكن الأهمّ من الأرقام، هو النّهج الإماراتيّ التراكميّ: منذ عام 2017، حين عُيِّن أوّل وزير دولة للذكاء الاصطناعيّ، بدأت الدولة ببناء بنية تحتيّة سياديّة للذكاء الاصطناعي، شملت الاستثمار في نماذج لغويّة خاصّة مثل Falcon، وتمويل شركات عالميّة مثل OpenAI عبر صندوق MGX الضخم (6.6 مليار دولار في بعض الحالات). [10]

وفي أبريل، ظهرت صفقة HRA Experience (40 مليون دولار) كدليل حيّ على نضج منظومة Web3 والذكاء الاصطناعي معاً في بيئة الإمارات، وتحوّل أبوظبي إلى مختبر حقيقيّ للتقنيات الماليّة والرقميّة الجديدة. [7]

مصر: البوابةُ السكّانيّةُ والمؤسّسةُ المعرفيّة

رغم تواضع تمويلات مصر في أبريل (1.5 مليون دولار فقط) [1]، إلّا أنّها لا تزال تُشكّل عمقاً استراتيجيّاً لا يمكن تجاهله، خاصّةً في ظلّ قوّتها البشريّة التّقنيّة الهائلة.

تواجه مصر تحدّيات اقتصاديّة كبُرت خلال 2024–2025، ما أثّر سلباً على شهية المستثمرين. لكنّ الدّولة تحرّكت بخطّةٍ وطنيّةٍ جديدةٍ عبر النّسخة الثّانية من الاستراتيجيّة القوميّة للذكاء الاصطناعي 2030، وأطلقت مؤخّراً صندوقاً بالشّراكة مع جامعة تسينغهوا الصينيّة بقيمة 300 مليون دولار للاستثمار في شركات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات.

تدرك مصر أنّ بناء قاعدةٍ ابتكاريّةٍ إقليميّة لا يمكن أن يتحقّق دون المشاركة في سباق الذّكاء الاصطناعي. ومع تحسّن المناخ المالي واستمرار ضخّ المبادرات الدّوليّة، يُتوقّع أن تنطلق شركات مصريّة قويّة من عمق الصّعوبات، مدفوعةً بكفاءاتٍ محلّيّة واستثمارٍ موجه ذكيّ.

تشير معطيات أبريل 2025 إلى تحوّلٍ نوعيٍّ لا في حجم الاستثمارات فحسب، بل في طبيعة الشركات التي تجذب رؤوس الأموال. لم تعُد الأسواق وحدها هي التي تُغري المستثمرين، بل المعادلات الحسابيّة المدفونة في شيفرات الذكاء الاصطناعيّ.

فجميع المؤشّرات، من تزايد جولات التّمويل في المراحل المبكرة، إلى اتّساع طيف القطاعات التي تعتمد على تقنيات AI، إلى اندفاع الصناديق السياديّة نحو الاستثمار في البنية التحتيّة الذكيّة، تؤكّد أنّنا في لحظة إقليميّة فارقة.

يبدو أنّ الشّركات القادرة على الابتكار القائم على الذّكاء الاصطناعيّ من النّواة (وليس مجرّد إضافةٍ ظاهريّةٍ له) ستكون هي من تحصد النّصيب الأكبر من الفرص والتّمويل والتّوسّع في الأعوام المقبلة.

لكنّ الرّهان الحقيقيّ لا يكمن فقط في عدد الجولات التّمويلية أو حجمها، بل في تحقيق أثرٍ واقعيٍّ في السّوق. أيّ شركةٍ ناشئةٍ تُدرك كيف تحوّل قدرات الذّكاء الاصطناعيّ إلى منتجاتٍ تُغيّر حياة النّاس، وتُوفّر حلولاً قابلةً للتّوسّع، وتُعزّز الكفاءة والرّبحيّة، ستكون هي من يصعد إلى مصافّ الرّيادة الحقيقيّة في المنطقة.

لقد دخلنا على ما يبدو عصر الشركات "المبنيّة على الذكاء الاصطناعيّ أوّلاً"، فهل نحن مستعدّون فعلاً لقيادة هذا التّحوّل من منطقتنا؟ وهل سيتحوّل زخم التمويل إلى منصّاتٍ إقليميّةٍ تُنافس عالميّاً؟

الأشهر المقبلة كفيلة بالإجابة.

آخر تحديث:
تاريخ النشر: